وما من دابة في الأرض...إلا أمم أمثالكم

14/01/2019| إسلام ويب

أخبر سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنه أقام في هذه الأرض مخلوقات تشارك الإنسان في كثير من الصفات، حيث قال عز من قائل: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} (الأنعام:38) فما هو المراد بهذه المماثلة بين الإنسان وبين ما بثه الله سبحانه من كائنات ومخلوقات غيره؟

معنى الأمة لغة

تذكر معاجم اللغة أن معنى (الأمة) لغة: الجماعة. وقال ابن منظور في "لسان العرب": "الأمة: الجيل، والجنس من كل حي".

أقوال المفسرين والعلماء في معنى قوله تعالى: {إلا أمم أمثالكم}

روي عن مجاهد في المراد من قوله تعالى: {إلا أمم أمثالكم} قال: "أصناف لهن أسماء، تُعرف بها كما تُعرفون". وأخرج الطبري، وابن أبي حاتم، عن السدي في قوله عز وجل: {إلا أمم أمثالكم} قال: "خلق مثلكم".

وقال الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية: "جعلها أجناساً مجنسة، وأصنافاً مصنَّفة، تعرف كما تعرفون، وتتصرف فيما سخرت له كما تتصرفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومثبت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب".

وقال الإمام القرطبي في كتابه "الجامع لأحكام القرآن": {إلا أمم أمثالكم} أي: هم جماعات مثلكم، خلقهم الله، وتكفل بأرزاقهم، وعدل عليهم، فلا ينبغي أن تظلموهم، ولا تجاوزوا فيهم ما أمرتم به". وقال الزجاج: {إلا أمم أمثالكم} قال: في الخلق، والرزق، والموت، والبعث، والاقتصاص.

وقال السيوطي في تفسيره "الجلالين": {إلا أمم أمثالكم} قال: "في تدبير خلقها، ورزقها، وأحوالها".

ونقل الإمام ابن القيم في كتابه "شفاء العليل" عن الخطابي قوله: "ما أحسن ما تأول سفيان ابن عيينة هذه الآية، واستنبط منها هذه الحكمة، وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعاً لظاهره، وجب المصير إلى باطنه، وقد أخبر الله عن وجود المماثلة بين الإنسان، وبين كل طائر ودابة، وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة، وعدم من جهة النطق والمعرفة، فوجب أن يكون منصرفاً إلى المماثلة في الطباع والأخلاق". ثم علق ابن القيم على كلام الخطابي بقوله: "والله سبحانه قد جعل بعض الدواب كسوباً محتالاً، وبعضها متوكلاً غير محتال، وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنته، وبعضها يتكل على الثقة، بأن له في كل يوم قدر كفايته رزقاً مضموناً، وأمراً مقطوعاً، وبعضها لا يعرف ولده البتة، وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه، وبعضها تضيع ولدها، وتكفل ولد غيرها، وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها، وبعضها يدخر، وبعضها لا تكسب له، وبعض الذكور يعول ولده، وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف عليه. وجعل بعض الحيوانات يُتْمَها من قِبَل أمهاتها، وبعضها يُتْمَها من قِبَل آبائها، وبعضها لا يلتمس الولد، وبعضها يستفرغ الهم في طلبه، وبعضها يعرف الإحسان ويشكره، وبعضها ليس ذلك عنده شيئاً، وبعضها يُؤْثِر على نفسه، وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمة من جنسه، لم يدع أحداً يدنو منه، وبعضها يألف بني آدم، ويأنس به، وبعضها يستوحش منه، وينفر غاية النفار منه، وبعضها لا يأكل إلا الطيب، وبعضها لا يأكل إلا الخبائث، وبعضها يجمع بين الأمرين، وبعضها لا يؤذي إلا من بالغ في أذاها، وبعضها يؤذي من لا يؤذيها، وبعضهم حقود لا ينسى الإساءة، وبعضها لا يذكرها البتة، وبعضها لا يغضب، وبعضها يشتد غضبه، فلا يزال يُسترضى حتى يرضى، وبعضها عنده علم ومعرفة بأمور دقيقة، لا يهتدي إليها أكثر الناس، وبعضها لا معرفة له بشيء من ذلك البتة، وبعضها يستقبح القبيح وينفر منه، وبعضها الحسن والقبيح سواء عنده، وبعضها يقبل التعليم بسرعة، وبعضها مع الطول، وبعضها لا يقبل ذلك بحال". انتهى كلام ابن القيم.

خلاصة كلام المفسرين في قوله تعالى: {إلا أمم أمثالكم}

الطيور والدواب مثل بني البشر من حيث أن الله رازقهم، ومحييهم، ومميتهم، ومن حيث الطباع والسلوك والأخلاق، فمن الطيور من خُلُقه السرقة، ومنهم من طبعه الغدر، ومنهم الوفي، ومنهم المسالم، ومنهم الشرس، ومنهم الاستغلالي، ومنهم الوفي لزوجته، ومنهم الخائن لها، ومنهم النشيط ومنهم الكسول، ومنهم النؤوم ومنهم من لا يكاد ينام...الخ.

مثال على الغش عند الحيوانات

هناك سلوك يسميه العلماء بالتطفل (intrusion)، وهو مثال صارخ عن الغش عند الحيوانات.

و(التطفل) كما يُعرِّفه علماء السلوك: هو سلوك تسلكه بعض أنواع من الطيور، حيث تضع بيوضها في أعشاش أنواع أخرى من طيور، ويقوم الزوج المستضيف بحضانة البيوض، وإطعام الفراخ حتى تبلغ مرحلة البلوغ. ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو تصرف طائر الوقواق (Common Cuckoo) الرمادي، الذي يتطفل على أعشاش بعض أنواع الطيور.

وهناك مثال آخر، هو طائر السنونو ذات الرأس الأسود، والتي تضع بيوضها في أعشاش طيور النورس، وطيور البط، وكذلك يظهر هذا السلوك الطفيلي عند الأسماك، والحشرات.

كيفية وضع البيوض في أعشاش الطيور الأخرى

إن عملية وضع البيوض في أعشاش الطيور الأخرى تخبرنا أن الطيور التي قامت بذلك هي الأخرى تمت تربيتها بالطريقة نفسها؛ حيث وُضِعَت في أعشاش مضيفة، حتى وصلت إلى سن البلوغ، وقد طورت هذه الطيور أساليب لفعل ذلك؛ حيث غالباً ما تقوم أنثى الطير بهذه العملية في أقصى درجات السرية، وبعد مراقبة شديدة لمجموعة من الأعشاش المستهدفة، ويتدخل الذكر للتمويه، حيث يبدأ بالغناء بالقرب من العش الهدف، لإلهاء أصحاب العش، وتقوم الأنثى بوضع بيضها فيه. وبعض الطيور الأخرى تقوم بتحطيم إحدى البيوض، وتضع بيضتها مكانها، وهذا لإخفاء الزيادة في عدد البيوض التي من الممكن أن ينتبه إليها الطير المضيف، وتتم عملية الوضع في وقت وجيز، حيث لا تتعدى ثلاث ثوانٍ عند بعض الأنواع، في حين تأخذ العملية عدة دقائق في الحالة العادية عند الطيور. كما أن نمو فراخ الطيور المتطفلة يكون أسرع بكثير من نمو فراخ الطيور المضيفة، ما يؤثر في عملية التغذية؛ إذ إنها تحصل على النصيب الأكبر؛ لأنها أكبر من حيث الحجم، وأقوى من الفراخ الأخرى للطير المضيف.

مثال على السرقة عند الحيوانات

يقوم طائر الفرقاط (Frigatebird) بسرقة طعام فراخ طائر زرقاء القدمين (Blue-footed Booby).

* مادة المقال مستفادة من موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بتصرف يسير.

www.islamweb.net