جامع محمد علي بقلعة الجبل في القاهرة

29/03/2018| إسلام ويب

يعد جامع محمد علي بقلعة الجبل في القاهرة من أمثلة المساجد العثمانية الطراز وأكثر معالم قلعة صلاح الدين شهرة، فما تاريخ وأهم ملامح المسجد؟
جامع محمد علي بقلعة الجبل من أمثلة المساجد العثمانية الطراز، ويمكن القول إن العمارة العثمانية المقامة في إستانبول والتي أنضجها المعماري سنان باشا ، قد وجدت طريقها إلى القاهرة عندما كلف محمد علي باشا المعماري التركي يوسف بوشناق بإنشاء الجامع الكبير، في سنة 1246هـ / 1830م وهو الذي يتوج بشكله القوي القلعة ويعد من معالمها البارزة.
كما يعد جامع محمد علي أكثر معالم القلعة شهرة، ويمتزج في مسجد محمد علي القابع بقلعة صلاح الدين الأيوبي الدين بالتاريخ والسياسة والفن بالزخرفة والعمارة إلى أبعد الحدود، ويعتقد البعض أن قلعة صلاح الدين الأيوبي هي قلعة محمد علي باشا لشهرة هذا الجامع بها، كما يسمى أيضًا جامع المرمر وهو نوع من أنواع الرخام النادر الذي كسي به.

تاريخ بناء جامع محمد علي:
ويرجع سبب بناء الجامع إلى أن محمد علي رأى أنه في حاجة ماسة إلى إنشاء مسجد ليكون مدفنًا له، فعهد إلى المهندس المعماري التركي يوسف بوشناق بوضع تصميم له، فوقع اختياره على مسجد السلطان أحمد بالأستانة، واقتبس منه مسقطه الأفقي بما فيه الصحن والفسقية مع تعديلات قليلة، كما ظهر في تصميم الجامع تأثير الفن البيزنطي.
ولقد بدأ العمل في عمارة هذا المسجد بموقعة الحالي من قلعة صلاح الدين سنة (1246هـ / 1830م). وقد بني المسجد الذي استمر العمل به لمدة 18 عاما، على أنقاض قصر الأبلق، وتبلغ مساحته 5000 متر مربع. حيث استمر العمل في البناء بلا انقطاع، حتى توفي محمد علي باشا في سنة (1265هـ / 1849م)، فدفن في المقبرة التي أعدها لنفسه بداخل المسجد.

الوصف المعماري لجامع محمد علي:
بُنى الجامع على مساحة مستطيلة من الأرض داخل قلعة صلاح الدين إلى الشرق من جامع الناصر محمد بن قلاوون ا، وينقسم الجامع الى قسمين: القسم الشرقي هو بيت الصلاة وبه المحراب، والقسم الغربي هو الصحن المكشوف وتتوسطه الميضأة، ولكل من القسمين بابان متقابلان أحدهما في اتجاه الجنوب والثاني في اتجاه الشمال.
القسم الشرقي (بيت الصلاة):
تقع ظلة القبلة؛ (أي حرم المسجد) في الجهة الشرقية من الصحن، وهذا الحرم مربع أيضًا طول ضلعه من الداخل 41 مترا تعلوه في الوسط قبة كبيرة قطرها 21 مترا، وارتفاعها 52 مترا عن أرضية الجامع تحملها أربعة عقود كبيرة ترتكز أطرافها على أربعة أكتاف مربعة. يحيط بهذه القبة المركزية أربعة أنصاف قباب ونصف قبة خامس يغطى بروز المحراب، في كل ركن من أركان المربع قبة أخري صغيرة . والقبة الكبيرة وأنصاف القباب محلاة بزخارف بارزة مذهبة.
وتغطى أركان الجامع أربعة قباب صغيرة. سُمك الجُدران عند الأساس 2.20 مترا ويتناقص السُّمْك إلى 1.90 مترا في الأجزاء العلوية. كسيت الجدران من الداخل والخارج برخام الألبستر النادر المجلوب من محاجر بنى سويف في صعيد مصر، وأيضا الأكتاف الأربعة الداخلية الحاملة للقبة إلى ارتفاع 11 مترا.
وعلى المثلثات الكروية للقبة الكبيرة كتبت أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة، بينما كتب "لفظ الجلالة" و"سيدنا محمد رسول الله" بخط الخطاط العثماني أمين الزهيري وكتب على أعتاب الشبابيك أبيات من قصيدة البردة للإمام البوصيري بالخط النستعليق الفارسي.
ودكَّة المؤذن تشغل الجدار الغربي بأكمله بعرض الجامع، وترتكز على ثمانية أعمدة من الرخام تتوجها عقود نصف دائرية، ولها سياج نحاسي يتوصل إليها وإلى الممر العلوي المحيط بالمسجد من سُلمي المئذنتين، وهما على هيئة المآذن العثمانية (القلم الرصاص)، وارتفاعهما 84 حوالى مترًا.
و محراب الجامع في جدار القبلة مُجوف مكسو بالمرمر ( رخام الألبستر المُعرّق)، والمنبر القديم من الخشب المحلى بالنقوش الذهبية، يجاوره منبر نادر من الرخام أمر بعمله الملك فاروق الأول ملك مصر سنة 1939م. أما المئذنتان فرشيقتان وارتفاع كل منهما نحو 84 مترًا، وتقعان في طرفي الواجهة الغربية للصحن .

القسم الغربي (الصحن المكشوف):
ويسبق المسجد من الجهة الغربية صحن مربع تقريبا 53 × 54 مترًا (2862م2)، تحته خزان كبير للماء لاستخدام الجامع. تدور حوله أربعة أروقة ذات عقود محمولة علي أعمدة رخامية، وفوقها قباب صغيرة مغطاة بألواح من الرصاص ومنقوشة من الداخل .
بني بالمسجد 42 عمودا و84 قبة صغيرة، بالإضافة الى الميضأة التي بنيت من أفضل أنواع الرخام وبها 8 أعمدة وبجوارها بئر للمياه على عمق 17 مترا.
توجد الميضأة في وسط الصحن، أنشئت سنة 1263هـ / 1844م، فوقها قبة تقوم على ثمانية أعمدة رخامية، باطن القبة عليها رسوم مناظر طبيعية مُلونة، تؤلف مثمنًا فوقه رفرف ذو زخارف بارزة، وتضم هذه القبة قبة أخرى أصغر منها، وهي مثمنة لها هلال ومصنوعة من الرخام أيضا، وعليها نقوش بارزة تمثل عناقيد عنب فضلًا عن شريط من الكتابة بخط النستعليق الفارسي يقلم الخطاط "سنكلاح" وهي آيات قرآنية في إرشادات الوضوء.
كما تلحظ العدد الكبير للقناديل التي تتدلى من سقف المسجد ويصل عددها الى 365 بعدد أيام السنة أيضًا.
يتوسط الرواق الغربي بالصّحن المكشوف يرج من النحاس المزخرف بالتخريم والزجاج الملون مركب بداخله ساعة دقاقة كان قد أهداها لويس فيليب ملك فرنسا الى محمد علي باشا سنة 1845م، وضعها في سور صحن الجامع رغم أنها لم تعمل منذ وصولها، وقد أهدى محمد علي ملك فرنسا في المقابل مسلة رمسيس الكائنة في ميدان كونكورد حاليا بباريس. وجاء ضمن الوثائق الرسمية أمر صادر من محمد علي باشا إلى ديوان المبيعات والتجارة في 27 رمضان 1262هـ (1845م) بصرف مبلغ من المال إلى الأسطى الذي أحضر الساعة المهداة من ملك فرنسا إليه.

منابر جامع محمد علي:
ويتميز مسجد محمد علي بوجود منبرين بداخله أحدهما باللون الأخضر وهو الأكثر ارتفاعًا وبناه محمد علي ولكنه لا يقع أمام المصلين، والآخر أقل ارتفاعًا وبناه الملك فاروق ليكون أمام المصلين. والمنبر الأصلي للجامع مصنوع من الخشب ويُعتبر من أكبر المنابر في جوامع مصر الاسلامية عليه زخارف نباتية متأثرة بطرازي الباروك والروكوكو التي شاع استخدامها في العمارة العثمانية في القرن الثامن عشر الميلادي.
مآذن المسجد:
للجامع مئذنتان شاهقتان توجدان عل طرفي الواجهة الغربية لبيت الصلاة، وبُنيتا على الطراز العثماني للمآذن، ارتفاع كل منهما 84 مترا، وبكل مئذنة 256 درجة سلم إلى نهاية الدورة الثانية.كما تلحظ أيضًا عدم وجود مكبرات صوت داخل المسجد حيث بني بطريقة تسمح بحدوث صدى عال للصوت.
وللمسجد أبواب ثلاثة، يؤدي القائم في واجهته الغربية إلى الصحن الذي يكسو جدرانه رخام المرمر، و تحيط به أروقة أربعة عقودها و أعمدتها من المرمر، وتتوسط الميضأة الصحن المكشوف.
 
صيانة جامع محمد علي:
نال هذا الجامع قسطا كبيرًا من عناية حكام أسرة محمد علي باشا، وقد قام كثير من ملوك مصر بأعمال صيانة هذا المسجد وتحسينه وزخرفته. فعندما مات محمد علي كانت أعمال كسوة واجهات الجامع بالرخام لم تستكمل. ولما تولى عباس باشا الأول حكم مصر سنة 1848م أمر باستكمال أعمال الرخام والزخارف والتذهيب وعمل تركيبه رخام ومقصورة للضريح. ولما تولى محمد سعيد باشا أمر أن تقام به احتفالات ليلة الإسراء والمعراج وليلة نصف شعبان وثلاث ليال في رمضان منها ليلة السابع والعشرين. أما الخديوي إسماعيل فقد أمر بعمل أبواب جديدة للجامع وأعد مقصورة بجوار المنبر صلى فيها السلطان العثماني عبد العزيز عندما زار مصر ، وأعاد الخديوي محمد توفيق كسوة القباب بالرصاص.

وظل الجامع تحت رعاية لجنة حفظ الآثار حتى أدى الملك فاروق صلاة الجمعة بالجامع يوم (5 المحرم 1358هـ / 24 فبراير 1939م) مفتتحًا الجامع لأداء الفرائض بعد انتهاء أعمال التجديد وإعادة البناء. رأى الملك أن المنبر الأصلي المصنوع من الخشب يبعد كثيرًا عن محراب الجامع، فأمر بعمل منبر جديد من الألبستر يوضع بجانب المحراب فصار للجامع منبران. كما أمر بسد النوافذ الموجودة بجدار المحراب. كذلك قامت الدولة في مصر بأعمال ترميم واسعة في كثير من أقسام القلعة، فأعادت لها بعض رونقها، كما قامت بتحويل بعض أجزائها إلى متحف حربي.

www.islamweb.net