سورة القمر هي السورة الرابعة والخمسون بحسب ترتيب سور المصحف العثماني، وهي السورة السابعة والثلاثون وَفْق ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة الطارق، وقبل سورة (ص). وهي مكية كلها عند الجمهور. وعدد آياتها خمس وخمسون باتفاق أهل العدد.
تسميتها
اسمها بين السلف (سورة اقتربت الساعة) ففي حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بـ (قاف) و{اقتربت الساعة} في الفطر، والأضحى). وبهذا الاسم عنون لها الإمام البخاري في كتاب التفسير من "صحيحه".
وتسمى أيضاً (سورة القمر) وبذلك ترجمها الإمام الترمذي في "جامعه".
وتسمى كذلك (سورة اقتربت) حكاية لأول كلمة فيها.
ووجه تسميتها واضح في قوله تعالى في فاتحة السورة: {اقتربت الساعة وانشق القمر} (القمر:1).
سبب نزولها
روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية، فانشق القمر بمكة، فنزلت: {اقتربت الساعة وانشق القمر} إلى قوله: {سحر مستمر} (القمر:1-2).
وروى الواحدي في "أسباب النزول" بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (انشق القمر على عهد محمد صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، سَحَرَكم، فسألوا السُّفَّار -جمع مسافر- فقالوا: نعم قد رأينا، فأنزل الله عز وجل: {اقتربت الساعة وانشق القمر}. وكان نزولها في حدود سنة خمس قبل الهجرة، ففي "الصحيح" (أن عائشة رضي الله عنها قالت: أُنزل على محمد بمكة -وإني لجارية ألعب- {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} (القمر:46) وكانت عَقَد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال قبل الهجرة بثلاث سنين، أي في أواخر سنة أربع قبل الهجرة بمكة، وعائشة يومئذ بنت ست سنين. وذكر بعض المفسرين أن انشقاق القمر كان سنة خمس قبل الهجرة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كان بين نزول آية {سيهزم الجمع ويولون الدبر} (القمر:45) وبين بدر سبعُ سنين.
وروى الإمام مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سأل أبا واقد الليثي رضي الله عنه: (ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ قال: كان يقرأ فيهما بـ (قاف والقرآن المجيد) و{اقتربت الساعة وانشق القمر}. قال ابن كثير: "وكان يقرأ بهما في المحافل الكبار؛ لاشتمالهما على ذكر الوعد والوعيد، وبدء الخلق وإعادته، والتوحيد وإثبات النبوات، وغير ذلك من المقاصد العظيمة".
مقاصد السورة
يدور موضوع سورة (القمر) حول بيان الموقف العنادي المكابر الذي وقفه كفار قريش من آية انشقاق القمر العظيمة، بعد أن طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم آية مادية كبرى، تثبت صحة نبوته، وصدق رسالته، وبيان موقفهم العنادي من الأنباء الزاجرة، التي سبق للقرآن أن وجهها لهم. وبيان الموقف الذي يوصِي الله رسولَه صلى الله عليه وسلم بأن يتخذه معهم، بعد أن وصلوا إلى حالة ميؤوس منها غالباً، وهو التولي عنهم، بإدارة ظهره إليهم، والاشتغال بآخرين لم يبلغوا بعد ما بلغ إليه هؤلاء من عناد ومكابرة واستكبار ومعاداة لدعوة الحق الربانية.
وعلى الجملة، فقد تجلت مقاصد سورة القمر في الأمور التالية:
1- تسجيل مكابرة المشركين في الآيات البينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن مكابرتهم.
2- إنذارهم باقتراب القيامة وبما يلقونه حين البعث من الشدائد.
3- تذكيرهم بما لقيته الأمم أمثالهم من عذاب الدنيا؛ لتكذيبهم رسل الله، وأنهم سيلقون المصير نفسه الذي لقيه أولئك؛ إذ ليسوا خيراً من كفار الأمم الماضية.
4- إنذارهم بقتال يُهزمون فيه، ثم لهم عذاب الآخرة، وهو أشد.
5- إعلامهم بإحاطة الله علماً بأفعالهم، وأنه مجازيهم شر الجزاء، ومجازٍ المتقين خير الجزاء. وإثبات البعث، ووصف بعض أحواله.
6- تكرير التنويه بهدي القرآن وحكمته.
7- بينت السورة أن كل شيء خلقه الله بقدر، وما أمره سبحانه في الإتيان بالساعة إلا كلمح بالبصر، وأن كل شيء فعلوه مثبت في كتب أعمالهم، يكتبها ملائكة جعلهم الله لكتابة أعمال العباد.
8- خُتمت السورة بترغيب الذين آمنوا واتقوا بأنهم سيكونون يوم الدين: {في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر} (القمر:54-55).