وجوب الإيمان بالأنبياء والرسل

02/02/2020| إسلام ويب

الإيمان بالأنبياء والرسل من أصول الإيمان

إن من مُسَلمات الدين، وأركان العقيدة المبينة في القرآن الكريم الإيمان بالأنبياء والرسل، يقول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ...}( البقرة:177).
وفي حديث جبريل عليه السلام حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر..."(البخاري).

كما كان من دعائه في تهجده صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق.."(البخاري).

معنى الإيمان بالرسل

إنه الاعتقاد الجازم بأن الله بعث في كل أمة رسولا منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(النحل:36) وأن الرسل كلهم صادقون مصدَّقون، هداة مهتدون، وأنهم بلّغوا جميع ما أرسلهم الله به، فلم يكتموا ولم يغيّروا، ولم يزيدوا فيه من عند أنفسهم شيئا ولم ينقصوه، كما قال سبحانه: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِين}(النحل:35).
ويقول سبحانه: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة:136).
فتأمل كيف افترض الله على المؤمنين به الإيمان بجميع الرسل والأنبياء، وسمى منهم إسماعيل وإسحاق والأسباط، وأخبر عز وجل أن المؤمنين لا يفرقون بين أحد من الأنبياء والرسل، بل يعتقدون بكفر من أنكر نبوة من أثبت الله نبوته، لأن الكفر برسول أو نبي واحد كفر بجميع المرسلين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(والمسلمون آمنوا بالأنبياء كلهم، ولم يفرقوا بين أحد منهم، فإن الإيمان بجميع النبيين فرض واجب، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم، ومن سب نبياً من الأنبياء فهو كافر يجب قتله باتفاق العلماء).

إن الإيمان بالأنبياء والمرسلين أصل من أصول الإيمان، قال تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:84).
ومن لم يؤمن بالرسل ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}(النساء:136).

الصلة بين الإيمان بالله والإيمان بالرسل والرسالات
إن الذين يزعمون أنَّهم مؤمنون بالله ولكنّهم يكفرون بالرسل والكتب هم في الحقيقة لا يقدرون الله حقَّ قدره، قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ...}(الأنعام:91).
قال ابن كثير رحمه الله: (وما عظموا الله حق تعظيمه؛ إذ كذبوا رسله إليهم).
فالذين يقدرون الله حقَّ قدره، ويعلمون صفاته التي اتصف بها من العلم والحكمة والرحمة لابدَّ أن يوقنوا بأنَّه أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ لأن هذا مقتضى صفاته، فهو لم يخلق الخلق عبثاً، {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}(القيامة:36).

ومن كفر بالرسل وهو يزعم أنَّه يؤمن بالله فهو عند الله كافر لا ينفعه إيمانه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا . أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}(النساء : 150-151).
فقد نصَّت الآية على كفر من زعم الإيمان بالله وكفر بالرسل {ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله}، يقول القرطبي في هذه الآية: (نصّ سبحانه على أنَّ التفريق بين الله ورسله كفر، وإنَّما كان كفراً لأنَّ الله فرض على الناس أن يعبدوه بما شرعه على ألسنة الرسل، فإذا جحدوا الرسل ردّوا عليهم شرائعهم، ولم يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية التي أُمروا بالتزامها، فكان كجحد الصانع سبحانه، وجحد الصانع كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية، وكذلك التفريق بين الله ورسله).

وجوب الإيمان بجميع الرسل
إن الواجب على العبد أن يؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين، فالمؤمنون يؤمنون بالأنبياء جميعاً من سمَّى الله منهم ومن لم يسم، من أولهم إلى آخرهم وخاتمهم وأفضلهم نبينا محمد بن عبدالله، صلى الله عليهم أجمعين.

والإيمان بالرسل إيمان مجمل، والإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إيمان مفصل يقتضي ذلك من المؤمنين اتباعه فيما جاء به على وجه التفصيل.

وعلى ذلك فإن الكفر برسول واحد كفر بجميع الرسل، قال تعالى: {كذَّبت قوم نوحٍ المرسلين}(الشعراء:105)، وقال: {كذَّبت عاد المرسلين}(الشعراء: 123)، وقال: {كذَّبت ثمود المرسلين}(الشعراء: 141 )، وقال: {كذَّبت قوم لوطٍ المرسلين}(الشعراء:160)، ومن المعروف أنَّ كلَّ أمةٍ إنما كذبت رسولها الذي أرسل إليها، إلا أن التكذيب برسول واحد يعدّ تكذيباً بالرسل كلِّهم؛ ذلك أنَّ الرسل حَمَلَة رسالة واحدة، ودعاة دين واحد، ومرسلهم واحد، يبشر المتقدم منهم بالمتأخر ، ويصدق المتأخر المتقدم.

وفي سورة آل عمران بعد أن أمر الله عباده أن يعلنوا إيمانهم بجميع الأنبياء والمرسلين قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(آل عمران:85).

ومن هنا كان الإيمان ببعض الرسل والكفر ببعض كفراً بهم جميعاً، وقد وسم الله من هذا حاله بالكفر: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا . أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (النساء:150-151).

وقد أمرنا الله بعدم التفريق بين الرسل، بل أمرنا بالإيمان بهم جميعاً: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة:136).
ومن سار على هذا النهج فقد اهتدى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا} البقرة:137)، والذي يخالفه فقد ضلَّ وغوى: {وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البقرة: 137 ).

وقد مدح الله رسول هذه الأمة والمؤمنين الذين تابعوه لإيمانهم بالرسل كلهم، ولعدم تفريقهم بينهم، قال تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}(البقرة:285).
ووعد الله الذين لم يفرقوا بين الرسل بالمثوبة والأجر الكريم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(النساء:152).

كما ذم الله أهل الكتاب لإيمانهم ببعض الرسل وكفرهم ببعض: {وإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ}(البقرة:91).
وهذا هو ما ينطبق على اليهود الذين لا يؤمنون بعيسى ولا بمحمد عليهما السلام، والنصارى الذين لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم.
 

www.islamweb.net