سورة (التغابن) هي السورة الرابعة والستون بحسب ترتيب سور المصحف العثماني، وهي السورة السابعة والمائة في ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة الجمعة، وقبل سورة الصف بناء على أنها مدنية. وهي سورة مدنية في قول جمهور المفسرين. وقال القاسمي: مكية على ما يظهر من أمثالها لمن سبر. وعدد آياتها ثماني عشرة آية.
تسميتها
سميت هذه السورة (سورة التغابن) ولا تُعْرَفُ بغير هذا الاسم، ولم تَرِد تسميتها بذلك في خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجه التسمية وقوع لفظ (التغابن) في قوله سبحانه من السورة: {يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن} (التغابن:9) ولم يقع في غيرها من القرآن.
مناسبتها لما قبلها
أن الله سبحانه ذكر في سورة المنافقين التي قبلها حال المنافقين، وكذبهم في أيمانهم، واستكبارهم على الله ورسوله، وتهديدهم المؤمنين بمنع الإنفاق عليهم، وإخراجهم من المدينة وفي هذه السورة قسَّم الناس إلى مؤمن وكافر، وأيضاً فقد جاء في سورة (المنافقون) قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر االله} (التغابن:9) وذكر هنا قوله تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} (التغابن:15) فجاءت هذه الآية الأخيرة كالتعليل للآية السابقة؛ فالمناسبة بين السورتين والارتباط بينهما واضح وبين.
سبب نزولها
ورد في السورة قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} (التغابن:14) وقد روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن تلك الآيات نزلت في رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وحسَّنه الشيخ الألباني.
مقاصدها
مقصود السورة في الجملة الإبلاغ في التحذير، مما حذرت منه سورة المنافقين، بإقامة الدليل القاطع على أنه لا بد من العرض على الملك القهار؛ للدينونة على النقير والقطمير يوم القيامة، يوم الجمع الأعظم. واسمها (التغابن) واضح الدلالة على ذلك، وهو أدلُّ ما فيها عليه؛ فلذلك سميت به.
ومقاصدها على التفصيل وفق التالي:
1- أكدت السورة أنه جل شأنه هو صاحب الملك، وأنه وحده المستحق للحمد. وذكَّرت بأن من في السماء ومن في الأرض يسبحون لله، أي: ينزهونه عن النقائص تسبيحاً متجدداً.
2- بيَّنت آثار عظمة الله وقدرته في خلقه.
3- أن الملك لله وحده، فهو الحقيق بإفراده بالحمد؛ لأنه خالق الناس كلهم، فآمن بوحدانيته ناس، وكفر ناس، ولم يشكروا نعمه؛ إذ خلقهم في أحسن صورة، وتحذيرهم من إنكار رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
4- الإعلام بأن الله عليم بالظاهر والخفي في السماوات والأرض، فلا يجري أمر في العالم إلا على ما اقتضته حكمته سبحانه.
5- أنحت السورة على الكفار إنكارهم البعث، وبيَّنت لهم عدم استحالته، وهددتهم بأنهم يلقون حين يبعثون جزاء أعمالهم، فإن أرادوا النجاة فليؤمنوا بالله وحده، وليصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم، والكتاب الذي جاء به، ويؤمنوا بالبعث، فإنهم إن آمنوا كُفِّرت عنهم سيئاتهم، وإلا فجزاؤهم النار خالدين فيها.
6- لفتت السورة نظر الكافرين إلى مصير أمثالهم من الأمم السابقة، وما حلَّ بهم في الدنيا من الوبال والدمار، وأنهم في الآخرة سيلقون جزاء عملهم في النار خالدين فيها، كل ذلك بسبب كفرهم وعنادهم.
7- أمرت بطاعة الله ورسوله وبيَّنت أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عليه تبعة أعمالهم {فإنما على رسولنا البلاغ المبين} (التغابن:12).
8- تثبيت المؤمنين على ما يلاقونه من ضر أهل الكفر بهم، فليتوكلوا على الله في أمورهم.
9- حذرت من طاعة بعض الأزواج والأولاد لعداوتهم؛ حيث يحولون بينهم وبين عمل الخير، وقد يدفعونهم إلى الشر والباطل مع بيان أن الصفح والعفو والغفران عنهم أولى وأفضل {فإن الله غفور رحيم} (التغابن:14).
10- أمرت السورة الكريمة بالتقوى جَهد الطاقة، والبذل في سبيل الله؛ إذ أنه وقاية من الشح والحرص: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (التغابن:16).