أحداث هامة من السنة الأولى للهجرة النبوية

24/11/2025| إسلام ويب

شاء الله عز وجل أن يكون بداية التأريخ لأمتنا الإسلامية بالهجرة النبوية، التي كانت بداية قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، فعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: (جمع عمر الناس فسألهم: مِنْ أي يوم يُكتبُ التاريخ؟ فقال علي بن أبي طالب: منْ يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك، ففعله عمر رضي الله عنه) رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. وروى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (ما عَدُّوا من مَبْعَثِ النبي صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مَقْدَمِهِ المدينة (الهجرة النبوية)).
وفي السنة الأولى من الهجرة النبوية وقع الكثير من الأمور الهامة والأحداث العظيمة، ولذلك قال ابن كثير في البداية والنهاية: "ذِكْر ما وقع في السنة الأولى من الهجرة النبوية من الحوادث والوقائع العظيمة". ومن ذلك:

1 ـ بناء المسجد النبوي:
كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل بناء المسجد يصلي حيث أدركته الصلاة. وكانت أولى نسمات الخير التي أتت بها الهجرة النبوية المباركة هي بناء المسجد النبوي الذي جاء بعد وقتٍ قصيرٍ مِنْ مَقْدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وقد استقرّ رأي النبي صلى الله عليه وسلم على مِرْبَد - وهو الموضع الذي يُجفّف فيه التمر - كان ملكاً لغلامين يتيمين في المدينة يعيشان عند أسعد بن زرارة رضي الله عنه، ووقع اختياره صلوات الله وسلامه عليه على ذلك المكان عندما بركت راحلته فيه أثناء بحثه، وقال حينها: (هذا إن شاء الله المنزل) رواه مسلم في صحيحه "كتاب المساجد ومواضع الصلاة ـ باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم".
وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم ـ كما روى البخاري ـ من سادات بني النجار الحضور ومعهم الغلامين ليعرض عليهم شراء تلك الأرض، وقال لهم: (يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا ـ أي اطلبوا له ثمنا ـ، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه، وقال الغلامان: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبَى رسولُ اللهِ أن يقبلَه منهما هبةً حتى ابتاعَه (اشتراه) منهما، ثم بناه مسجداً، وطَفِقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللَّبِنَ في بنيانِه ويقول، وهو ينقلُ اللَّبِن:
اللهم إن الأجرَ أجرُ الآخِرهْ     فارحَمِ الأنصارَ والمهاجرة

2 ـ صلاة الجمعة:
أول صلاة جمعة في المدينة المنورة هي التي جمعها أسعد بن زرارة رضي الله عنه، فعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب بن مالك: (أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلتُ له: إذا سمعتَ النداء ترحمت لأسعد بن زرارة؟ قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات. قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون) رواه أبو داود وحسنه الألباني، وكان ذلك قبل الهجرة النبوية.
وأما أول جمعة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد الهجرة، فقد ذكر ابن إسحاق في السيرة النبوية وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الإثنين ـ يعني لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ـ ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، وأسس مسجده، ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة، فأدركَت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة. وقال ابن القيم في "زاد المعاد": "فأدركته ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة".

3 ـ تشريع الأذان:
بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وبنائه لمسجده، أصبح المسلمون يجتمعون في المسجد للصلاة، وكانوا يأتون وقت الصلاة بدون إعلام فيصلون وينصرفون. فتشاور النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في وسيلة للإعلان عن الصلاة، قال ابن إسحاق وابن هشام وغيرهما: "وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقا كبوق يهود الذي يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس، فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة، فبينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة أخو بني الحارث النداء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنه طاف بي هذه الليلة طائف، مرّ بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع هذا الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: ألا أدلّك على خير من ذلك؟ قلت: ما هو؟ قال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر. أشهد ألا إله إلا الله، أشهد ألا إله إلا الله. أشهد أنّ محمدا رسول الله، أشهد أنّ محمدا رسول الله. حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة. حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح. الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله. فلمّا أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إنّها لرؤيا حق إن شاء الله! فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذّن بها، فإنه أندى صوتا منك". وكان ذلك في السنة الأولى للهجرة النبوية، قال النووي: "وعبد الله بن زيد هذا هو: أبو محمد عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، شهد العقبة وبدراً، وكانت رؤياه الأذان في السنة الأولى من الهجرة بعد بناء النبي صلى الله عليه وسلم مسجده".

4 ـ زِيدَ في صلاة الحَضَر ركعتان، وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين:
للصلاة منزلتها الكبيرة في الإسلام، ومما زادها أهمية وفضلاً أن الله عز وجل فرضها في ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة على رسوله صلى الله عليه وسلم مباشرة وبدون واسطة، وفي هذا اعتناء بها، وزيادة في تشريفها، ففي حديث مسلم عن الإسراء والمعراج (وفرضت عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فأوصاه موسى عليه السلام أن يعود إلى ربه يسأله التخفيف، فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يفعل حتى أصبحت خمسا بدل الخمسين). وقد فرض الله عز وجل الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر. وفي السنة الأولى من الهجرة النبوية زيد في صلاة الحضر ركعتان، فقد روى البخاري في ـ "باب: كيف فُرِضَت الصلوات في الإسراء" ـ، وروى مسلم ـ في"باب: صلاة المسافرين وقصرها" ـ عن عائشة رضي الله عنه قالت: (فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأُقِرَّت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر). وقال ابن جرير نقلا من البداية والنهاية: "وفي هذه السنة ـ يعني: السنة الأولى من الهجرة ـ زيد في صلاة الحضر - فيما قيل - ركعتان، وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين، وذلك بعد مَقْدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر ربيع الآخر لمضي اثنتي عشرة ليلة منه".

5 ـ عَقْد النبي صلى الله عليه وسلم معاهدة مع اليهود:
من الخطوات الهامة التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم في بنائه للدولة الإسلامية الجديدة في المدينة المنورة في السنة الأولى من الهجرة النبوية: إصدار وثيقة نظم بموجبها العلاقات بين المجتمع المسلم الجديد نفسه، وبينه وبين الكتل البشرية التي تعايشت في المدينة المنورة حينئذ وبخاصة اليهود، وقد جاء في هذه الوثيقة ـ الصحيفة ـ كما ذكر ابن هشام في السيرة النبوية: "لليهود دينهم وللمسلمين دينهم - مواليهم وأنفسهم - إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (يهلك) إلا نفسه وأهل بيته". وقال ابن القيم "في زاد المعاد": "ووادَع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منْ بالمدينة مِنَ اليهود، وكتب بينه وبينهم كتابا، وبادر جدهم وعالمهم عبد الله بن سلام فدخل في الإسلام، وأبَى عامتهم إلا الكفر".

وفي السنة الأولى من الهجرة النبوية آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، ووُلِدَ عبد الله بن الزبير أول مولود للمهاجرين، والنعمان بن بشير أول مولود للأنصار، وأسلم حَبْر اليهود عبد الله بن سلام، وكانت سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه إلي سيف البحر، وسرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه إلى بطن رابغ، وسرية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى الخرار، وفي شوال من هذه السنة أيضاً بنى النبي صلى الله عليه وسلم بزوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقيل كان في السنة الثانية..
مما لا شك فيه أن السنة الأولى من الهجرة النبوية كانت سنة حافلة بالأحداث والوقائع كغيرها من سنوات حياته وبعثته صلى الله عليه وسلم، لكن السنة الأولى كانت سنة بناء وتأسيس الدولة المسلمة وقيام نواتها الأولى في المدينة المنورة.. 

www.islamweb.net