العِلم بأسماء الله الحسنى له فوائد وفضائل كثيرة وعظيمة، منها: معرفة الله عز وجل، وسؤاله ودعاؤه بها، وتعميق حبه سبحانه والأدب معه، وإصلاح القلوب، وتزكية النفوس، ودخول الجنة. قال الله تعالى: {وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(الأعراف:180)، قال الشوكاني في "فتح القدير": "هذه الآية مشتملة على الإخبار مِنَ الله سبحانه بما له مِنْ الأسماء على الجملة دون التفصيل، والحسنى تأنيث الأحسن أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مُسمّى وأشرف مدلول، ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة فإنه إذا دُعِي بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة". وقال السعدي: "{فَادْعُوهُ بِهَا} وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيُدْعَى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلا: اللهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتُب عَلَيَّ يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف، ونحو ذلك".
وأسماء الله تعالى ـ كما هو مقرر عند أهل السنة ـ توقيفية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري.
قال النووي: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بِحَصْر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (أسألك بكل اسم سمَّيْتَ به نفسك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك)".
وقال الشيخ ابن عثيمين: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}(الإسراء:36).. ولأن تسميته تعالى بما لمْ يُسَمِّ به نفسه، أو إنكار ما سَمَّى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص".
و"الأحد" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، و"الأحد": هو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر، وهو المنفرد بوحدانيته في ذاته، وفي ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته.
قال ابن الأثير في "جامع الأصول": "الأحد": الفرد". وقال الأزهري في "تهذيب اللغة": "وأما اسم الله عز وجل - الأحد - فإنه لا يوصف شيء بالأحدية غيره، لا يقال: رجل أحد، ولا درهم أحد، كما يقال: رجل وحَدُ أي فرد، لأن أحدا صفة من صفات الله عز وجل استخلصها لنفسه، ولا يشركه فيها شيء".
وقال الزجّاج في "تفسير أسماء الله الحسنى": " الْمُنْفَرد بوحدانيته فِي ذَاته وَصِفَاته تعالى الله علوا كبِيرا".
وقال البيهقي في "الاعتقاد": "الذي لا شبيه له ولا نظير".
وقال حافظ بن أحمد حكمي في "مَعَارِج الْقَبُول": "الأحد: الَّذِي لَا ضِدَّ له، وَلَا نِدَّ له، وَلَا شَرِيك له فِي إِلَهِيَّتِه وَرُبُوبِيَّتِه، وَلَا مُتَصَرِّف معه فِي ذَرَّةٍ مِنْ مَلَكُوتِه، ولا شبيه له ولا نظير في شيء من أسمائه وصفاته".
وقال السعدي في "تفسير الأسماء الحسنى": "الواحد الأحد: هو الذي توحّد بجميع الكمالات، وتفرّد بكل كمال، ومجد وجلال، وجمال، وحمد، وحكمة، ورحمة، وغيرها من صفات الكمال فليس له فيها مثيل ولا نظير، ولا مناسب بوجه من الوجوه فهو الأحد في حياته، وقيوميته، وعلمه، وقدرته، وعظمته، وجلاله، وجماله، وحمده، وحكمته، ورحمته، وغيرها من صفاته، موصوف بغاية الكمال، ونهايته من كل صفة من هذه الصفات فيجب على العبيد توحيده، عقداً، وقولاً، وعملاً، بأن يعترفوا بكماله المطلق، وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة".
وقد ورد اسم الله عز وجل "الأحد" مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة الإخلاص، وورد في الكثير من الأحاديث النبوية الصحيحة.
ـ قال الله تعالى: تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}(الإخلاص:4:1). قال ابن كثير: "يعني: هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا نديد ولا شبيه ولا عديل، ولا يُطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله، عز وجل، لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله". وقال القرطبي: "الذي لا شبيه له، ولا نظير ولا صاحبة، ولا ولد ولا شريك". وقال السعدي: "أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل".
وقال ابن حجر في "فتح الباري": "وقال القرطبي: اشتملت هذه السورة (الإخلاص) على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أصناف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور، وهما "الأحد الصمد"، لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال. وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه سؤدده".
وقال القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم": "ظهر أن لهذين الاسمين (الأحد، الصمد) من شمول الدلالة على الله تعالى وصفاته ما ليس لغيرهما من الأسماء، وأنهما ليسا موجودين في شيء من سور القرآن، فظهرت خصوصية هذه السورة بأنها ثلث القرآن".
ـ وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمِع رجُلاً يقول: (اللهم إني أسألُك أنّي أشهدُ أنك أنت اللهُ لا إله إلا أنت، الأحدُ الصمد، الذي لم يلدْ ولم يولد، ولم يكن لك كُفُوا أحدٌ، فقال: لقد سألت الله بالاسم الّذِي إذا سُئل به أعْطى، وإذا دُعِي به أجاب) رواه الترمذي وصححه الألباني.
ـ وعن مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ رضي الله عنه قال: (دخل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم المسجدَ فإذا هوَ برجلٍ قد قضى صلاتَه وهوَ يتشهَّد وهو يقول: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ يا اللَّهُ الأحدُ الصَّمد، الَّذي لم يلِد ولم يولَد ولم يكن لهُ كُفوًا أحدٌ، أن تغفرَ لي ذنوبي إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيم. قال: فقال: قد غُفِرَ له، قد غُفِرَ له ـ ثلاثًا ـ) رواه أبود اود وصححه الألباني.
ـ وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابنُ آدَم ولَمْ يَكُنْ له ذلك، وشَتَمَنِي ولَمْ يَكُنْ له ذلك، فأمَّا تَكْذِيبُه إيَّايَ فقوله: لَنْ يُعِيدَنِي، كما بَدَأَنِي، وليس أوَّل الخَلْقِ بأَهْوَن عَلَيَّ مِن إعادَتِه، وأَمَّا شَتْمُه إيَّايَ فَقَوْله: اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا وأنا الأحَدُ الصَّمَد، لَمْ ألِدْ ولَمْ أُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لي كُفْئًا أحد) رواه البخاري.
الله عز وجل له الأسماء الحسنى والصفات العُلى، ومِنْ أسمائه سبحانه "الأحد"، ومِنْ مقتضيات هذا الاسم: إفراد الله تعالى بالربوبية والإلهية، فكما أنه واحد في ربوبيته، حيث هو الخالق المحيي المميت المالك المتصرف في خلقه كيف يشاء، فهو واحد في ألوهيته، فلا إله إلا هو وحده لا شريك له، وهذا المعنى يجعل العبد يقطع قلبه مِن التعلق بالمخلوق، ويوحد طلبه وقصده لخالقه وبارئه ومعبوده "الواحد الأحد". قال السعدي: "فالله سبحانه هو الذي توحد بجميع الكمالات بحيث لا يشاركه فيها مشارك، ويجب على العبيد توحيده عَقْداً (اعتقادا) وقولا وعملا، بأن يعترفوا بكماله المطلق، وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة".