حذف التنوين تخفيفاً

26/10/2025| إسلام ويب

لـ (التنوين) في كلام العرب ثلاثة مواضع: يكون فرقاً بين ما ينصرف وما لا ينصرف، ويكون عوضاً، نحو قولك: جاءني جوارٍ ويومئذٍ، ويكون فرقاً بين المعرفة والنكرة، تقول: إيهٍ حدِّثنا، إذا أردت النكرة، وإيه، إذا أردت المعرفة.

وجاء عن العرب أيضاً: جاءني زيدُ بن عمروٍ بحذف التنوين، وإثباته جائزٌ (زيدٌ) إلا أن الأكثر حذفه، إذا كان اسماً علماً مع اسم أبيه الذي يُعرف به، فمنهم من قال: حُذِفَ التنوين لكثرة الاستعمال، ومنهم من قال للإضافة، وقد يعبرون عن هذا بقولهم: حُذف لالتقاء الساكنين.

قالوا: يحذف التنوين تخفيفاً، وهو كثير في كلام العرب، وحَذْفُه حسن، وقد جاءت آيات بينات حُذِفَ منها التنوين تخفيفاً أو إضافة، نذكر منها الآتي:

- قوله تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} (الصافات:6) قرأ عاصم وحمزة: {بزينةٍ} مخفوض منون، وقرأ الباقون {بزينةِ الكواكب} على الإضافة. والمعنى زينا السماء الدنيا بتزيين الكواكب؛ أي بحسن الكواكب. ويجوز أن يكون كقراءة من نوَّن، إلا أنه حذف التنوين تخفيفاً.

- قوله عز وجل: {إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته} (الزمر:38) قرأ جمهور القراء {كاشفاتُ} و{ممسكاتُ} بضم التاء فيهما على الإضافة، وحَذْفِ التنوين تخفيفاً. وقرأ أبو عمرو البصري، والكسائي، ويعقوب بالتنوين.  

- قوله تعالى: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار} (يس:40) قوله: {ولا الليل سابق النهار} أي: غالب النهار، يقال: سبق فلان فلاناً، أي: غلبه. قال المُبَرِّد: سمعت عمارة يقرأ: {ولا الليل سابق النهار} فقلتُ: ما هذا؟ قال: أردتُ (سابقٌ النهار) فحذفتُ التنوين، لأنه أخف. قال ابن جني: "الأشبه في هذا أن يكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين".

- قوله سبحانه: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا} (فاطر:1) قراءة جمهور القراء: {جاعلِ الملائكةِ} بكسر {جاعلِ} عطفاً على {فاطرِ}، وقرأ ابن ذكوان عن أبي عمرو البصري: {جاعلُ} بالرفع من غير تنوين، وحُذِفَ التنوين تخفيفاً.

- قوله عز وجل: {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (البقرة:38) قرأ جمهور القراء: {فلا خوفٌ} بالرفع والتنوين، وقرأ يعقوب بالفتح في جميع القرآن: {فلا خوفَ}، وقرأ ابن محيصن باختلاف عنه بالرفع من غير تنوين (خوفُ)، وخرَّج ابن عطية قراءة ابن محيصن على أنه من إعمال (لا) عمل ليس، وأنه حذف التنوين تخفيفاً لكثرة الاستعمال.

- قوله جلَّ شأنه: {وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى} (الكهف:88) قرأ جمهور القراء: {جزاءُ الحسنى} بالرفع مضافاً من غير تنوين، ويُخرَّج على حذف المبتدأ؛ لدلالة المعنى عليه، أي: فله الجزاء جزاء الحسنى، وخرَّجه المهدوي على حذف التنوين؛ لالتقاء الساكنين. وقرأ عاصم ومن وافقه بتنوين النصب: {جزاءً الحسنى}. 

- قوله سبحانه: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} (النساء:140) قراءة جميع القراء برفع {جامعُ} بالرفع مضافاً، لكن حُذِفَ التنوين تخفيفاً من اللفظ، وهو مراد في الحقيقة.

- قوله تعالى: {إنما أنت منذر من يخشاها} (النازعات:45) قرأ أبو عمرو البصري في رواية، وأبو جعفر: {منذرٌ} رفعاً بالتنوين، وهو الأصل، وقرأ الباقون بحذف التنوين {منذرُ} بالرفع مضافاً من غير تنوين؛ لأجل التخفيف.

- قوله عز وجل: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه} (الأنعام:92) قراءة العشرة {مصدقُ} بالرفع صفة لـ {كتاب} حُذِفَ التنوين منه للإضافة، ويقدر حذف التنوين لالتقاء الساكنين. قال مكي بن أبي طالب: "{مصدق الذي} نعت لـ  (الكتاب) على حذف التنوين؛ لالتقاء الساكنين".

- قوله تعالى: {إن ولييَ الله الذي نزل الكتاب} (الأعراف:196) جمهور القراء على تشديد {وليِّيَ} مضافاً لياء المتكلم المفتوحة، وهي قراءة واضحة أضاف (الولي) إلى نفسه. وقرأ أبو عمرو البصري في بعض طرقه (إن وليَّ) بياء واحدة مشددة مفتوحة؛ وفيها تخريجان: أحدهما: قال أبو علي القالي: إن ياء (فعيل) مدغمة في ياء المتكلم، وإن الياء التي هي لام الكلمة محذوفة، ومَنَعَ من العكس. والثاني: أن يكون (وليَّ) اسم (إنَّ) وهو اسم نكرة غير مضاف لـ (ياء المتكلم) والأصل: (إن ولياً الله) فـ  (وليا) اسم (إن) والله خبرها، ثم حذف التنوين؛ لالتقاء الساكنين.

- قوله عز وجل: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات} (النور:40) قراءة جمهور القراء بتنوين الرفع: {سحابٌ ظلماتٌ} وقرأ ابن كثير: {ظلماتٍ} بالجر، إلا أن البزِّي روى عنه حينئذ حذف التنوين من {سحاب} فقرأ البزي عنه: {سحابُ ظلماتٍ} بإضافة {سحابُ} لـ {ظلماتٍ} تخفيفاً.

- قوله عز وجل: {قل هو الله أحد * الله الصمد} (الإخلاص:1-2) قراءة جمهور القراء بتنوين الرفع في {أحدٌ}، وكان أبو عمرو البصري يستحب الوقف على قوله: {قل هو الله أحد} وإذا وصل كان له وجهان من القراءة: أحدهما: تنوين و{أحدٌ} وكسر لفظ الجلالة: {اللهِ}، والثاني: حذف التنوين {أحدُ * اللهُ} لاجتماع الساكنين، وكل صواب.

- قوله سبحانه: {إن الله بالغ أمره} (الطلاق:3) قرأ التسعة {بالغٌ} بتنوين الرفع على الأصل، و{أمرَه} منصوب باسم الفاعل {بالغٌ}؛ لأن اسم الفاعل هنا بمعنى الاستقبال. وقرأ عاصم: {بالغُ أمرِه} بالرفع والإضافة، وحُذِف التنوين للتخفيف.

تلك جملة من الشواهد القرآنية على حذف التنوين من الاسم تخفيفاً وللإضافة، وقد ألمحنا بداية إلى أن حذف التنوين كثير في كلام العرب، وأنه حسن جار وَفْق سنن العربية، وبه جاء القرآن الكريم. والله أجلُّ وأعلم. 

www.islamweb.net