رمضان والعقيدة
05/03/2025| إسلام ويب
رمضان ليس مجرد شهر للصيام والقيام، بل هو شهر تتجلى فيه معاني العقيدة والإيمان في أبهى صورها، فهو موسم يتجدد فيه التوحيد في القلوب، ويترسخ فيه الإيمان بالله تعالى، وتتحقق فيه العبودية الخالصة له وحده، فمن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا فقد أدرك لبّ العقيدة، وجدد ميثاق العبودية مع الله تعالى.
أولًا رمضان والتوحيد
فتوحيد الله تعالى هو جوهر العقيدة الإسلامية، وهو أول ما دعت إليه الرسل، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلطَّاغُوتَ) (النحل: 36). وفي رمضان يتحقق التوحيد في عدة مظاهر، ومنها:
1. إفراد الله بالعبادة: فالصيام عبادة خالصة لله تعالى، لا يطلع عليها أحد إلا هو سبحانه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به» متفق عليه.
2. تحقيق الإخلاص: الصائم يترك الطعام والشراب والشهوات سرًا وعلانية، لا لأحد إلا لله تعالى، مما يربي في النفس معنى الإخلاص لله وحده. وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول في الصائم: «يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي» رواه مسلم.
3. اللجوء إلى الله بالدعاء: قال تعالى بعد آيات الصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة: 186). وفي ذلك تذكير بأن الله وحده هو القادر على تحقيق المطالب وقضاء الحوائج سبحانه.
ثانيًا: رمضان وتعظيم الربوبية
من معاني الربوبية: الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق والرازق والمدبر. ويتجلى هذا الإيمان في رمضان في عدة أمور منها:
• أن يدرك المسلم أن الله تعالى هو الذي فرض الصيام، وهو الذي يحدد متى نصوم ومتى نفطر سبحانه.
• أن يستشعر المسلم بأن الله هو الرازق وحده سبحانه، فبعد يوم طويل من الصيام يجلس الصائم للإفطار، فيستشعر نعمة الله تعالى في كل لقمة يتناولها.
ثالثًا: رمضان والإيمان باليوم الآخر
رمضان يوقظ في القلوب الإيمان باليوم الآخر، لأن المسلم يصوم رجاءً للثواب ويجتنب المحرمات خوفًا من العقاب، وقد وعد الله تعالى الصائمين بالأجر العظيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري ومسلم.
وفي رمضان يتذكر الصائم الجنةَ ونعيمَها، خاصة عند سماع قوله صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه» متفق عليه. قال النووي: "أما فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه، وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك".
رابعًا: رمضان والإيمان بالقدر
يتجلى الإيمان بالقدر في قلب الصائم في رمضان من خلال:
1. إيمان الصائم بأن بداية الشهر ونهايته تحدد برؤية الهلال، وهذا كله مرتبط بقدرة الله تعالى وتدبيره وهو يسلم لذلك.
2. إيمان الصائم بأن الأرزاق والآجال مقدرة عند الله تعالى، ومن أدلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة…، ثم يُرسل إليه الملك فيؤمر بكتب أربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد» رواه البخاري ومسلم.
3. من أن ليلة القدر تقدر فيها مقادير السنة كلها، قال تعالى عن هذه الليلة: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان: 4).
فرمضان ليس مجرد عبادة ظاهرية، بل هو شهر يعزز فيه المسلم عقيدته، ويجدد فيه إيمانه بالله تعالى، ويعمق فيه توحيده له سبحانه، ويزكو فيه قلبه بالإخلاص واليقين بالله تعالى؛ ولذا على المسلم أن يحرص على اغتنام هذا الشهر العظيم حتى يكون محطةً روحية تقربه من الله تعالى، وتجعله أكثر التزامًا بدينه طوال العام.