نحو إعلام إسلامي ناجح
07/10/2002| إسلام ويب
لا شك أن المتأمل في واقع العمل الدعوي ومناشطه يرى - ولله الحمد - أنه يجري من خلال قنوات عديدة ونشاطات متميزة في الدعوة والإرشاد إلى دين الحق، وتمثله هيئات ومؤسسات حافلة بالأعمال الإسلامية المختلفة.
والعمل الدعوي في الساحة الإعلامية، وإن كان قد أخذ في شق طريقه بقوة وثبات، إلا أن الملاحظ أنه ما زال بحاجة جادة إلى دراسة ونظر بسبب ما واجهه من حرب شعواء تهدف إلى منعه من الظهور، ولما يعانيه من قصور عن مواجهة وسائل الإعلام الأخرى، بالإضافة إلى ما يكتنفه من إشكاليات في المنهج والأسلوب وضعف الإمكانات وانعدام التنسيق.
هذه السلبيات واضحة لمن تأمل في واقع الإعلام الإسلامي، سواء أكان مقروءا أو مسموعا أو مشاهدا.
وإذا كانت الساحة الإسلامية تشهد في هذه الآونة صحوة إسلامية مباركة، تهدف إلى تطوير مناهج الإصلاح في حياة المسلمين في ظل المنهج الإسلامي، فإن من المنطق، كما يقول الدكتور عبد القادر طاش، أن نسعى إلى أن تشمل هذه الصحوة وهذا التطوير جميع جوانب الحياة المختلفة، وأن نقدم البدائل الإسلامية التي نستطيع من خلالها تقديم منهج الإسلام إلى جمهور الناس بما يجعلهم يتفاعلون معها ويقبلون عليها.
وقد أدرك كثير من مفكري المسلمين أهمية هذا الأمر بشكل عام وأهمية وسائل الإعلام بشكل خاص، فنادوا بضرورة الاهتمام بها في اجتماعاتهم ومؤتمراتهم، وحاولوا وضع كثير من الأسس والضوابط التي تعين على نجاح العمل الإعلامي الإسلامي، وما كل ذلك إلا لأن الإعلام في عصرنا الحاضر يعدّ من أقوى محاور الصراع بين المجتمعات الإنسانية، كما يقول الدكتور سيد رزق الطويل، وعلل ذلك بأن له تأثيرًا بالغا في الغزو الفكري وتوريد المعتقدات؛ سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم دينية. وصار - لذلك- علماً له قواعده الراسخة واتجاهاته الواضحة ووسائله المتعددة التي ترفدها خبرات علماء النفس والاجتماع والسياسة.
هذا الغزو الفكري الذي يواجه المسلمين اليوم في مختلف أقطارهم ومواطنهم، على تنوعه فكرياً وثقافياً وحضارياً، لم يَعُد مقصوراً على الوسائل التقليدية للغزو، من كتب استشراقية أو مذاهب هدّامة أو مؤامرات استعمارية مكشوفة. لقد انتهى عصر الغزو الاستعماري الاستشراقي المباشر -كما يقول الدكتور عبد القادر طاش- والذي يوضح أن الغزو الحضاري الذي تواجهه الأمة الإسلامية الآن يستخدم وسائل جديدة وأساليب جديدة. فالرسالة الغازية تعبر إلى الأجيال الصاعدة، بل إلى العقول المثقفة، عن طريق الخبر الذي تبثه وكالة الأنباء، والتحليل السياسي أو الاقتصادي الذي تكتبه الصحيفة، والصورة التي ترسلها الوكالات المصورة. والرسالة الغازية تعبر إلى العقول المثقفة عن طريق الفيلم التلفازي المدهش، وعن طريق شريط الفيديو، وعن طريق البرنامج الإذاعي المشوق. والرسالة الغازية - والكلام ما زال للدكتور عبد القادر- تعبر إلى الأجيال الصاعدة عن طريق فيلم الكرتون المتقن، والرسالة الغازية تعبر إلى العقول المثقفة والأجيال الصاعدة عبر النظريات المدسوسة في مناهج التربية والتعليم، معللة بدعاوى العلم والتقدم والاكتشافات الحديثة !!
ولهذا كله وجدنا الدعوات تلو الدعوات من قبل الرموز في العالم الإسلامي تنادي بضرورة الاهتمام بوسائل الإعلام وتوجيهها توجيها إسلاميا نافعا.
ففي المؤتمر الذي عقدته رابطة العالم الإسلام حول الإسلام والحضارات دعا الدكتور مانع الجهني - رحمه الله - أعضاء المؤتمر والقائمين عليه إلى ضرورة الاستفادة من جميع الوسائل الإعلامية في الخطاب الإسلامي والدعوي على جميع المستويات، مبينا أن الأمة الإسلامية أمة البلاغ المبين، وهذا يتطلب منها جهدًا أكبر في دراسة وسائل الإقناع وطرق الحوار، وضرورة عرض الحق وتزيف الباطل من خلال وسائل إعلام إسلامية قوية حتى لا ينجرف الدعاة والمصلحون في مهاترات الإعلام الموجودة حاليا.
ولدى توليه منصب الإفتاء في مصر، دعا الدكتور أحمد الطيب إلى تبني خطة إعلامية لنشر الوعي الإسلامي بين المسلمين، ولتصحيح صورة الإسلام لدى الغرب، مؤكداً أهمية دور الإعلام الإسلامي في نشر الإسلام الصحيح بين الناس.
ولم يقف الحد عند دعوات الأشخاص، بل سعت كثير من المؤسسات الخيرية إلى العمل على تطوير ودعم الإعلام الإسلامي ووضع ذلك ضمن خططها وطموحاتها، وممن سعى إلى هذا الأمر منظمة المؤتمر الإسلامي، كما تجده ضمن أهداف مؤسسة الوقف الإسلامي وغيرها.
والسؤال الآن: كيف نرتقي بالإعلام الإسلامي إلى المكان اللائق به؟ وما هي الوسائل المعينة على ذلك؟ وما هي الأمور الهامة التي ينبغي أن يدركها القائمون على الإعلام الإسلامي؟
ضمن مقالات نشرت عن "الإعلام الإسلامي الدولي بين النظرية والتطبيق"، ذكر الدكتور محمد علي العويني أن من الأهمية بمكان في الإعلام الإسلامي إدراك مضمون الرسالة الإسلامية وحججها، والدعاية المضادة للإسلام وحججها، بالإضافة إلى الأحداث والظروف الفكرية المعاصرة، ومن الأهمية بمكان أدراك خصائص المتلقي ومستواه الثقافي والفكري حتى يستطيع تحديد الرسالة التي سيوجهها له، بالإضافة إلى أن يضع في اعتباره الثقافة السياسية والاتجاهات السلوكية للفئة التي سيوجه لها الخطاب.
وإذا كان ما ذكره الدكتور العويني بإجمال بعض ما يحتاجه الإعلامي الإسلامي لكي يقدم رسالة إعلامية ناجحة وهادفة، فإن الدكتور عبد القادر طاش - الذي ينظر إلى الإعلامي باعتباره المعلم، والمربي، والقائد، والموجه، وصانع الرأي في المجتمع _ يرى أنه لا بدّ للإعلامي لكي يمارس الإعلام الإسلامي أن يتكامل المنهج العلمي والعملي عنده في الجوانب المختلفة، فمن الإعداد الأصولي والفكري الذي يشمل الأصول العقدية والفكرية والتشريعية للإسلام، إلى الإعداد اللغوي والتذوقي الذي هو وعاء الفكر والثقافة ووسيلة الإعلامي الناجح، إلى جانب الإعداد التخصصي والمهني. وهذا الإعداد لا بد أن يتكامل فيه الجانب النظري والجانب العملي التطبيقي حتى لا تصبح دراسة الإعلام دراسة نظرية بحتة. على أن هذا كله لا يغني عن الإعداد الثقافي العام، والذي يتطلب الإلمام بالواقع الذي يعيش فيه، من حيث قضاياه ومشكلاته، وأحداثه، وتياراته، كما يتطلب الإلمام ببعض المعارف والعلوم المُعينة له على فهم هذا الواقع وتحليله، وهي علوم وثيقة الصلة بالإعلام كعلم النفس والاجتماع، والعلوم السياسية والاقتصادية، واللغة الأجنبية.
ولا بد من التأكيد هنا على أن من مستلزمات هذا الإعداد الصارم للإعلاميين الإسلاميين توفر الموهبة والاستعداد النفسي والخلق الرفيع والعلاقات الحميدة.
ويعتبر الدكتور عبد القادر الجانب التربوي والأخلاقي ذا أهمية بالغة في مجال إعداد الإعلامي الإسلامي نظراً للصعوبات الجمّة والتحديات العديدة والمغريات المتنوعة التي تصادف الإعلامي الإسلامي في حياته العملية.
وبعد هذا الإعداد المكثف تأتي مسألة أخرى، هي مسألة التخطيط، فالتخطيط الإعلامي الإسلامي -كما يقول الدكتور محمد سيد محمد-: لا بد أن يكون سمة لهذا الإعلام وطريقة تفكير العاملين في حقله مع شموليته لجميع المستويات: مستوى الوسيلة، جريدة كانت أو مجلة أو كتاباً أو إذاعة أو مسجداً، والمستوى الجغرافي، والمستوى المحلي أو القومي أو العالمي، ثم التخطيط على المستوى البشري في مجال الإعلاميين وتدريبهم، ثم التخطيط للقضايا، ثم التخطيط على المدى القصير والتخطيط طويل المدى، وهكذا تتعدد مستويات التخطيط في الإعلام الإسلامي بما يساعده على النهوض والوصول إلى المكانة المرادة له، ويضيف: إن هذا كله مهمة المؤسسات الإعلامية من صحف وإذاعات ودور نشر، ومهمة المنظمات الإعلامية من اتحادات ونقابات، ومهمة مراكز البحث العلمي والجامعات.
وإذا كان ما سبق هو الجانب النظري الهام في مجال الإعلام الإسلامي فإن هناك جوانب أخرى لا بد من توافرها.
فصناعة البدائل الإسلامية في مجال الإعلام بمختلف فنونه وضروبه وألوانه، تحتاج كما يقول الدكتور عبد القادر إلى المبادرة بإنشاء مؤسسات وشركات إسلامية للإنتاج والتوزيع الإعلامي في مختلف المجالات، من طباعة، وصحافة، ونشر، وتلفاز، وفيديو، وتسجيلات صوتية ، وشرائح مصورة، وغيرها. على أن إنشاء مثل هذه المؤسسات يتطلب طاقات بشرية عديدة، ويتطلب تكاليف مادية ومالية باهظة، ولكنه أمر لا بد منه لنجاح الإعلام الإسلامي.
وينبه الدكتور عبد القادر إلى ضرورة أن يتولّى مثل هذا الإنتاج العملي الإسلامي المميّز طاقات ذات إخلاص وتقوى، وأن يستعان فيه بأهل الخبرة والمعرفة، وأن تكون الأعمال المنتجة متقنةً من حيث جوانبها الفكرية والفنية، حتى لا تشوّه الإنتاج الإسلامي البديل، وتعطي صورةً سيئة عنه، وهذا يدعونا إلى عدم الاستعجال في هذا الجانب إلاّ بعد استكمال العدّة: تصوراً ومضموناً، وتوافر العناصر البشرية: إخلاصاً وتمثلاً، وإتقان العمل فنياً وحرفياً.
وأخيرا فإن صياغة الإعلام- نظرياً وتطبيقياً- صياغة إسلامية، كما يقول الدكتور عبد القادر طاش، ليست مشروعاً سهلاً سريع التنفيذ. بل هو مشروع عملاق يمثل صورة من صورة التحدي الحضاري الشامل الذي تواجهه الأمة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها. وإن توافر الجو السياسي والاجتماعي الملائم، والدعم المعنوي والمادي المناسب لتنفيذ مثل هذا المشروع العملاق، يُعدُّ ركيزةً أساسية للانطلاق نحو تحقيقه في واقع الأمة الإسلامية.. فالنشاط الإعلامي مرتبط دائماً بالبيئة السياسية والاجتماعية التي يعيش فيها، ويتأثر بها، سلباً وإيجاباً.
www.islamweb.net