الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالملل والضيق عندما يزورني خطيبي! ولا أعرف السبب

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا بنت مخطوبة قبل سنتين، وكانت هناك نظرة شرعية بيننا، وفي وقت النظرة الشرعية لم أحس بأي مشاعر، لا مشاعر ضيق ولا راحة، وكان هذا الشيء يقلقني، لكني سألت عنه وقالوا إنه أمر عادي وإن شاء الله خير.

المهم مرت السنوات ووصلت لوقت عقد القران ما قبل الزواج، ومدتها شهران فقط، في البداية كان الوضع عاديا، نعم كنت مرتاحة لكن لم أكن أشعر بما كنت أسمعه، أي أن البنات على حد وصفهم أنهن يكن في قمة السعادة وقتها، وأنا لا، بالعكس، عندما يأتيني أصاب بملل منه، إلى أن تطور الوضع وصرت أتضايق عندما يزورني، وعندما يحدثني بالجوال ومجرد التخيل أني سأعيش معه في نفس البيت أقلق وأخاف وأتضايق، حتى عندما أكون نائمة توقظني الأحلام، وأبدأ البكاء، هو إنسان طيب، وله سنوات راغب بالزواج، فأخاف أن أجرحه وأجرح أهلي، علما أن زواجي بعد أسبوعين من الآن!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Asia حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة-، وردا على استشارتك أقول:

أهم شيء في شريك الحياة والذي لا بد أن يتوفر فيه أن يكون صاحب دين وخلق، هكذا أوصانا نبينا عليه الصلاة والسلام.

لم تذكري لنا أي مبرر يجعلك ترفضينه، خاصة بعد أن تم العقد، سوى أنك تجدين ضيقا في صدرك، وهذه نتيجة الوساوس الشيطانية، إذ لا يريد الشيطان لأحد أن يعف نفسه بطريقة شرعية، ولذلك يلجأ إلى بث الوساوس لتضييق صدور البعض رجالا ونساء.

قد يكره الإنسان شيئا وفيه خير له، وقد يحب شيئا وفيه شر له، كما قال تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فتوكلي على الله، واستعيني به، وأكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيمن ولا تصغي لوساوسه أبدا، وما تجدينه من الأحلام المفزعة والمحزنة هي من أساليبه الخبيثة للتفريق بينك وبين زوجك.

انظري إلى صفاته الحسنة وعظميها في نفسك، وما قد يظهر من السلبيات فغضي الطرف عنها، واجتهدي في إصلاحهان فلا يوجد كمال أبدا، واحذري من الرسائل السلبية التي قد ترسلينها إلى عقلك عن زوجك؛ لأن للرسائل السلبية عواقب سيئة جدا، وعليك أن تبثي في نفسك الرسائل الإيجابية.

تفاءلي خيرا، فالتفاؤل مبدأ مهم في الحياة، ولذلك حثنا ديننا عليه، فمن النصوص التي تعلمنا وتحثنا على التفاؤل قول ربنا -جل في علاه-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وقوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) ومن الأحاديث التي تحثنا على التفاؤل قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ)، وفي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا).

لقد كان التفاؤل سمة من سمات شخصية نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو أسوتنا وقدوتنا، كما قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، ومن صور التفاؤل وحسن الظن بالله ما جرى أثناء هجرته عليه الصلاة والسلام، إذ قال له أبو بكر -رضي الله عنه- حين دخلوا في الغار وجاء المشركون يبحثون عنهما ووصلوا إلى باب الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما).

كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن، ويكره التشاؤم، فروى الإمام أحمد في مسنده أنه: (كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحسَنَ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ)، والطِّيَرَةَ: هي التشاؤم بالشيء، وعند مسلم: (... وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ)، وعند البخاري: ( وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ؛ الْكَلِمَةُ الْحسَنَةُ) وستتغير نظرتك كثيرا بعد الزواج، فالعِشرة والعلاقة الحميمية لها دور في تنمية الميول نحو الزوج، وتقوي المحبة، وتوطد العلاقة.

لعل الخوف من الانتقال إلى حياة جدية، وتحمل المسئولية له دور، كذلك فيما تجدينه من الشعور، وهذا سيزول من خلال الممارسة العملية للحياة الزوجية، كما حصل لكثير ممن سبقنك في هذا المضمار.

أرقي نفسك صباحا ومساء بما تيسر من القرآن الكريم والأدعية النبوية، وأكثري من الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أوصيك أن تجتهدي في توثيق صلتك وصلة زوجك بالله تعالى، وتجتهدي في تقوية إيمانكما من خلال كثرة الأعمال الصالحة، فبالإيمان والعمل الصالح تستجلب الحياة الطيبة، يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، سليه أن يذهب عنك ما تجدين، وأن يقذف في قلبك حب زوجك، ويصرف عنك وساوس الشيطان الرجيم، ونسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد، ونسأل الله لك التوفيق والسعادة إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً