الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من كان يؤرقه شرب الناس الخمر فكيف يتهم بشربها!!

السؤال

على أي شيء استندتم أن صحيح البخاري صحيح لا يوجد به أحاديث موضوعة؟ حيث هناك حديث يقول: إن الخليفة عمر شرب الخمر في آخر حياته؟ والسلام عليكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فصحيح البخاري -رحمه الله- أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، ودليلنا على ذلك:
أولاً: إجماع الأمة على تلقي صحيحي البخاري ومسلم بالقبول، سوى أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ ليست من قبيل الوضع ولا الضعف الشديد، بل الخلاف فيها بين الصحة والضعف اليسير المنجبر، ومع هذا فهي أحاديث يسيرة معروفة قد صنف العلماء في جمعها مصنفات خاصة: كالدارقطني، وأبي علي الغساني، وربما كان الصواب مع المنتقد، وربما كان الصواب مع صاحبي الصحيح.
وهذا الإجماع على تلقي الكتابين بالقبول يكفي للقطع بصحة ما في الكتابين، لأن إجماع الأمة معصوم من الخطأ، وقد نقل هذا الإجماع جماعة من أهل العلم كابن الصلاح، والنووي، والسيوطي في آخرين.
ثانياً: قول البخاري رحمه الله: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح.
وقد وفَّى -رحمه الله- بهذا الشرط، وواقع الكتاب يؤكد ذلك. يعرف ذلك كل من له علم وإطلاع بأحوال الرواة وعلم الإسناد، وقد صرح بذلك جمع من أئمة المسلمين منهم: أبو عبد الله الحميدي في كتابه (الجمع بين الصحيحين) حيث يقول: لم نجد من الأئمة الماضين رضي الله عنهم أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين. يعني: البخاري ومسلماً.
وإذا أردت أن تعلم مكانة الصحيحين عند المسلمين فراجع ما كتبه أئمة المسلمين في علوم الحديث، كأبي عمرو بن الصلاح في كتابه (معرفة علوم الحديث)، والسيوطي في (تدريب الرواي)، وابن حجر العسقلاني في (مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري)، وغيرها كثير.
وأما ما ذكره السائل من وجود حديث يتضمن شرب الخليفة عمر الخمر في آخر حياته، فجوابنا أن نقول كما علمنا الله في مثل هذه المواقف: (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) [النور:16] .
فإننا نحلف بالله العظيم غير حانثين أن هذا مكذوب على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فضلاً عن أن يكون في صحيح البخاري، وعمر رضي الله عنه هو المعروف بمواقفه الحازمة أمام الخمر، فلقد مال إلى تحريمها قبل أن تحرم، وظل يسأل الله أن ينزل بياناً شافياً في الخمر، حتى نزل تحريمها كما يذكر ذلك المفسرون في سبب نزول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90] .
ومن ادعى أن هذه الفرية ثابتة، فعليه إقامة البرهان على دعواه، فليبين لنا في أي كتاب من كتب الآثار هي.
والدعاوى إن لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياء
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني