الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف أيمانا كثرة تحت تأثير الوسوسة وحنث في كثير منها

السؤال

أعاني من الوسواس القهري وكنت ـ حتى أتغلب عليه ـ أحلف بالله، وكثيرا ما نقضت الحلف وقد أحصيته فوجدته 300 حلف بالله، فهل إن مت قبل أن أخرج الكفارة سأعذب في قبري؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي ننصحك به هو الإعراض عن الوساوس وعدم الالتفات إليها، ومجاهدة نفسك في تركها من غير استعانة على ذلك باليمين أو غيره، لئلا توقعي نفسك في الحرج، والله تعالى يقول: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ {البقرة: 224}.

ويقول: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة: 89}.

وورد ذم كثرة الحلف في قول الله عز وجل: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ {القلم: 10-13}.

فجاء ذكر الحلاف مع هذه الصفات المذمومة، فدل ذلك على ذمه، وانظري الفتوى رقم: 134196.

وأما هذه الأيمان: فلا بد من التفصيل فيها: فإن كان ما حلفت من أيمان حنثت فيه تحت تأثير الوسوسة بحيث لا يمكنك دفعه فلا شيء عليك ـ إن شاء الله ـ لأنك في معنى المكره، فقد جاء في منار السبيل وفي الروض وحاشيته: إن حنث مكرها أو ناسيا: فلا كفارة، لأنه غير آثم، لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. انتهى.

وقال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا طلاق في إغلاق ـ فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغماً عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق. انتهى.

وقال في الشرح الممتع: الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله مختاراً ذاكراً عالماً، فإن كان مكرهاً، أو ناسياً، أو جاهلاً فلا كفارة عليه. اهـ.

وأما إن كان حنثك لم يكن تحت تأثير الوسوسة: فإن من حلف على شيء واحد أكثر من مرة ثم حنث فإن له حالات: الأولى: أن يحلف اليمين الثانية بعد الحنث في الأولى والتكفير عنها، فهذا تلزمه كفارة ثانية.

والثانية: أن يحلف اليمين الثانية بعد الحنث في الأولى وقبل التكفير عنها، فهذا تلزمه بكل حنث كفارة عند أكثر أهل العلم، وذهب الحنابلة في المعتمد عندهم إلى أن عليه كفارة واحدة، كما قدمنا في الفتويين رقم: 12551، ورقم: 10595.

والثالثة: أن يحلف اليمين الثانية قبل الحنث باليمين الأولى، فهذا عليه كفارة واحدة على الراجح من أقوال العلماء، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 9302، 145587، 114497.

وقد اختلف أهل العلم في القيام بالكفارة بعد الحنث هل هو على الفور أو على التراخي؟ والراجح التفصيل وهو أنه إن كان سبب الحنث معصية وجبت على الفور، وإلا استحب التعجيل بها إبراء للذمة ولم يجب، قال الإمام النووي ـ رحمه الله: وأما الكفارة: فإن كانت بغير عدوان ككفارة القتل خطئا وكفارة اليمين ـ في بعض الصور ـ فهي على التراخي بلا خلاف لأنه معذور، وإن كان متعدياً فهل هي على الفور أم على التراخي؟ فيه وجهان حكاهما القفال والأصحاب أصحهما على الفور. انتهى.

وقال الزركشي في قواعده: هل تجب على الفور؟ يعني الكفارة ـ إن لم يتعد بسببه فعلى التراخي وإلا فعلى الفور، وقال المتولي: إذا عصى بالحنث لم يبح له تأخير التكفير، وإن كان الحنث طاعة أو مباحاً فالأولى أن يبرئ الذمة، فلو أخر فلا حرج عليه. انتهى.

وأما مسألة التعذيب في القبر: فلا يمكننا الحكم بشيء فيها، لأن الله يسامح عبده فيغفر له إذا تاب، بل وقد يغفر له ما دون الشرك دون توبة إن شاء، وقد تنفعه أعماله الصالحة الأخرى فيثقل ميزان الحسنات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني