الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كفار قريش كانوا لا يؤمنون بالآخرة

السؤال

هل كانت قريش تفعل العبادات مثل الحج والطواف حول الكعبة وعبادة الأصنام من أجل الدخول في الجنة والنجاة من النار؟ وهل كانت الجنة والنار معروفة عند قريش قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن هناك جنة ونارا قبل بعثته؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فكفار قريش كغيرهم من كفار العرب كانوا لا يؤمنون بالآخرة ولا بما فيها من بعث أو جنة أو نار, والآيات الدالة على إنكارهم هذا كثيرة جدا، كقول الله تعالى إخبارا عنهم أنهم قالوا: أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ {ق:3}. وقال عنهم: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ {النحل:38}.

قال ابن جرير: قول تعالى ذكره: وحلف هؤلاء المشركون من قريش بالله جَهْد أيمانِهِمْ حلفهم، لا يبعث الله من يموت بعد مماته.. اهـ.
وقال الله عنهم أيضا: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ {الدخان: 34ـ 35 }.

قال ابن جرير في تفسيره: قال تعالى ذكره مخبرًا عن قيل مشركي قريش لنبي الله صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء المشركين من قومك يا محمد: لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأولَى ـ التي نموتها، وهي الموتة الأولى: وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ـ بعد مماتنا، ولا بمبعوثين، تكذيبا منهم بالبعث والثواب والعقاب.

وقال عنهم: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {يس: 48}.

قال الشوكاني في فتح القدير: وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد ـ الذي تعدونا به من العذاب، والقيامة، والمصير إلى الجنة أو النار: إِن كُنتُمْ صادقين ـ فيما تقولون، وتعدونا به، قالوا ذلك استهزاء منهم، وسخرية بالمؤمنين، ومقصودهم إنكار ذلك بالمرّة، ونفي تحققه، وجحد وقوعه. اهـ.
ولا يَبعُد أن يوجد فيهم أفراد قليلون عندهم علم بالبعث، أو الجنة، أو النار، فقد وجد في العرب من ذكر الجنة والنار والبعث في أشعاره كأمية بن أبي الصلت الثقفي, ومثله زهير ابن أبي سلمى ذكر يوم الحساب في معلقته حين قال:

فلا تكتمنَّ الله ما في نفوسكم ليَخفَى ومَهما يُكتَمِ اللَّهُ يَعلَمِ

يُؤخَّرْ فَيُوضَعْ في كتابٍ فيُدّخَرْ ليَوْمِ الحِسابِ أوْ يُعَجَّلْ فيُنقَمِ.

وأما هل كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة على علم بالجنة والنار؟ فإننا لم نقف بعد البحث على ما يفيد ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كان مؤمنا بالله تعالى لا يشرك به غيره، كما هو حال سائر الأنبياء، ولكن لم يكن على علم بتفاصيل الإيمان والوحي، كما قال تعالى: وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ {يوسف: 3}. وقوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ {الشورى: 52}.قال العلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير في تفسير هذه الآية: وَالرُّسُلُ مَعْصُومُونَ مِنَ الشِّرْكِ قَبْلَ النُّبُوءَةِ، فَهُمْ مُوَحِّدُونَ لِلَّهِ وَنَابِذُونَ لِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ تَفَاصِيلَ الْإِيمَان.اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني