الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من صلى في ثياب بها نجاسة لعدم قدرته على تغييرها

السؤال

من صلى في ثياب بها نجاسة، مع عدم القدرة على تغييرها آنذاك؛ لكونه على سفر، ولا يستطيع تغيير ثيابه، أو تنظيفها، فهل يعيد صلاته عندما يصل من سفره، ويكون قادرًا على تغيير ثيابه؟ علمًا أن هذه النجاسة التي أصابت ثيابه من سلس البول، أو الودي، الذي غالبًا ما يصيبه، ويدفعه لتغيير ثيابه عدة مرات في اليوم - بارك الله فيكم -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد بينا في الفتوى رقم: 58066 أن من لم يجد إلا ثوبًا نجسًا، ولم يقدر على تطهيره صلى فيه، وأعاد في مذهب أحمد، وعند مالك يعيد ما دام في الوقت.

ومن أهل العلم من ذهب إلى عدم لزوم الإعادة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وقد تنازع العلماء في التيمم لخشية البرد: هل يعيد؟ وفيمن صلى في ثوب نجس، لم يجد غيره: هل يعيد؟ وفي مواضع أخر، والصحيح في جميع هذا النوع: أنه لا إعادة على أحد من هؤلاء؛ بل يصلي كل واحد على حسب استطاعته، ويسقط عنه ما عجز عنه؛ ولا إعادة عليه، ولم يأمر الله تعالى، ولا رسوله أحدًا أن يصلي الفرض مرتين مطلقًا. انتهى .

وجاء في حاشية الروض المربع عند قول صاحب الروض: (أو) صلى في ثوب (نجس أعاد) .....
أو لعجزه عن تطهير في الوقت، ويصلي فيه؛ لأن السترة آكد من إزالة النجاسة لوجوبها، فقدم الآكد عند التزاحم، ووجبت الإعادة لاستدراك ما حصل من الخلل، وعنه: لا يعيد، اختاره الموفق، والشارح، وغيرهما؛ لأن التحرز من النجاسة شرط عجز عنه، فسقط، والسنة إنما وردت بالإعادة لمن ترك واجبًا من واجبات الصلاة، كالمسيء، وصاحب اللمعة، والمنفرد خلف الصف لغير عذر أن يصلي الفرض مرتين، إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدر عليه في المرة الأولى، مثل أن يصلي بلا طمأنينة، أو بلا وضوء اهـ.

ونهى عليه الصلاة والسلام عن الصلاة مرتين. رواه أبو داود، والنسائي، وصححه النووي.

وقال العثيمين في الشرح الممتع: وأما الذين قالوا: يُصلِّي به بلا إعادة، فقالوا: إن السَّتر واجب، وإنَّ حَمْله للنَّجسِ حينئذ للضَّرورة؛ لأنه ليس عنده ما يُزيلُ به هذه النَّجاسة، وليس عنده ما يكون بدلاً عن هذا الثَّوب، فيكون مضطرًا إلى لُبْسِهِ، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وهذا هو القول الرَّاجح. انتهى.

وهذا القول فيه قوة، والأحوط الإعادة، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 6115.

هذا بناء على أن يسير البول لا يُعفى عنه، وعليه الفتوى عندنا، وقد ذكرنا خلاف العلماء في ذلك في الفتوى رقم: 226939.

ومحل ما سبق - كما أشرنا إليه من قبل - إذا كنت لا تتمكن من غسل ثيابك.

وأما إذا كان بإمكانك غسل الثوب بلا تضرر، وجبت الإعادة؛ لأنك - والحال هذه - صليت بثوب نجس، مع القدرة على إزالة النجاسة، لا سيما أنه كان يمكنك وضع حائل بين الثياب، وبين البول، تستبدلها بعد ذلك، وذلك واجب على صاحب السلس، كما بينا في الفتوى رقم: 96549.

وذهب المالكية إلى العفو عن النجاسة الناشئة عن السلس، قال الدردير - رحمه الله - وهو من المالكية شارحًا قول خليل بن إسحاق في مختصره: (وعفي عما يعسر، كسلس لازم) يعفى عن كل ما يعسر التحرز عنه من النجاسات بالنسبة للصلاة، ودخول المسجد ... والمراد بالسلس: ما خرج بنفسه من غير اختيار من الأحداث، كالبول، والمذي، والمني، والغائط يسيل من المخرج بنفسه، فيعفى عنه، ولا يجب غسله للضرورة إذا لازم كل يوم، ولو مرة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني