الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الاشتراط في العقد عدم رد المستحقات بسبب الإساءة

السؤال

دخلت في عقد مع إحدى الشركات على الإنترنت، ويوجد هذا الشرط في العقد:
نرفض بشكل كامل أي لغة مسيئة، أو سلوك سيء تجاه الشركة و/ أو الخدمة التي نقدمها و / أو أيٍ من موظفينا و / أو أيٍ من المندوبين العاملين معنا. إذا تقرر بناءً على تقديرنا استخدام أي عميل للغة مسيئة للشركة و / أو الخدمة و / أو الموظفين و / أو المندوبين فسيؤدي ذلك إلى إغلاق حساب العميل بشكل نهائي دون رد أي مبالغ مستحقة. ويعتبرهذا تهديدا بالمقاضاة أو التشهير أو القدح.
فهل هذا الشرط فيه مخالفة شرعية؟ لأنهم-حسب فهمي- يقومون بالامتناع عن رد أي مبالغ مستحقة لمن ارتكب هذه الإساءة، وفي هذا ظلم وتعد.
وما حكم أن أدل أحد إخواني على التعاقد مع هذه الشركة مع وجود هذا الشرط؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالشرط المذكور من شقين. أولهما: ما يتعلق بعدم الإساءة قولا أو سلوكا أو غير ذلك، وهذا شرط معتبر، ولا حرج فيه. والمسلم عليه التزام ذلك ولو لم يتضمنه العقد، والشرط لا يزيده إلا تأكيدا واعتبارا. ففي الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء. وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا عائشة؛ إن الله لا يحب الفاحش المتفحش. وروى البخاري عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

وأما الشق الثاني من السؤال فهو المتعلق بعدم رد المستحقات، وهذا باطل لا اعتبار له، ولا يجوز أكل أموال الناس بالباطل بذلك، ولا يمنع ذلك الشرط الباطل التعاقد معهم، أو الدلالة عليهم مع لزوم الامتناع عما اشترطوه من تجنب الإساءة قولا أو سلوكا، ولو حصل شيء من ذلك، فليس لهم أخذ مستحقات المرء، ولا اعتبار للشرط الباطل لقصة بريرة؛ فقد أخرج البخاري ومسلم - واللفظ له - عن عائشة قالت: دخلت علي بريرة، فقالت: إن أهلي كاتبوني على تسع أواق، في تسع سنين، في كل سنة أوقية، فأعينيني، فقلت لها: إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة، وأعتقك، ويكون الولاء لي، فعلت، فذكرت ذلك لأهلها، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فأتتني، فذكرت ذلك قالت: فانتهرتها، فقالت: لا ها الله إذن، قالت: فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألني، فأخبرته، فقال: «اشتريها وأعتقيها، واشترطي لهم الولاء؛ فإن الولاء لمن أعتق»، ففعلت، قالت: ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد، فما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق، ما بال رجال منكم يقول أحدهم: أعتق فلانًا والولاء لي، إنما الولاء لمن أعتق.

فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أبطل الشرط المخالف للشرع - وهو جعل ولاء الأمة للبائع - وصحح البيع ولم يبطله، فقال لعائشة: اشتريها وأعتقيها، واشترطي لهم الولاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني