الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب تخصيص النبي لعمر في قوله: كان بعدي نبي لكان عمر

السؤال

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان بعدي نبي لكان عمر)، لماذا لم يقل: (لكان أبا بكر)، وأبو بكر أفضل من عمر!؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث رواه الإمام أحمد (17405)، والترمذي (3686)، والحاكم (4495) من طريق مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.

وقد اختلف فيه أهل العلم: فمنهم من صححه، ومنهم من أعلَّه، وممن صححه: الحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي، وكذا حسنه الألباني في صحيح الترمذي.

وممن أعلَّه الإمام أحمد، كما في المنتخب من علل الخلال (ص 191): قال إبراهيم بن الحارث: إن أبا عبد الله - يعني الإمام أحمد - سئل عن حديث عقبة بن الحارث: (لو كان بعدي نبي لكان عمر)؟ فقال: "اضرب عليه؛ فإنه عندي منكر". انتهى.

وعلى القول بصحة الحديث؛ يأتي سؤالك: لماذا قال: لو كان بعدي نبي لكان عمر، ولم يقل: (لكان أبا بكر)، فإن أبا بكر -رضي الله عنه- أفضل من عمر باتفاق أهل السنة؟

فللعلماء في ذلك أقوال:

منها: أنه خص عمر بالذكر؛ لكثرة ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الواقعات التي نزل القرآن بها، فوافق فيها قوله ما نزل من القرآن بعد؛ فكان قريبًا من النبوة قربه من القرآن، إلا أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم.

قال المناوي -رحمه الله- في "فيض القدير" (5/ 325): قال ابن حجر: خص عمر بالذكر؛ لكثرة ما وقع له في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم من الواقعات التي نزل القرآن بها، ووقع له بعده عدة إصابات. انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتاب: "الرد على المنطقيين" (514)، بعد ذكر الحديث السابق، وعدة أحاديث في مقام عمر -رضي الله عنه-، وأنه ملهم، محدَّث: ومع هذا، فالصّدّيق أكمل منه؛ فإن الصّدّيق كمل في تصديقه للنبي، فلا يتلقى إلا عن النبي، والنبي معصوم، والمُحَدَّث كعمر، يأخذ أحيانًا عن قلبه ما يلهَمُه، ويحدَّث به؛ لكن قلبه ليس معصومًا، فعليه أن يعرض ما ألقي عليه على ما جاء به الرسول، فإن وافقه، قبله، وإن خالفه، رده؛ ولهذا قد رجع عمر عن أشياء، وكان الصحابة يناظرونه، ويحتجون عليه؛ فإذا بُيِّنت له الحجة من الكتاب والسنة، رجع إليها، وترك ما رآه. والصّدّيق إنما يتلقى عن الرسول، لا عن قلبه؛ فهو أكمل من المحدَّث، وليس بعد أبي بكر صِدِّيق أفضل منه، ولا بعد عمر محدَّث أفضل منه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني