الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصلح عن الدَّين بدَين

السؤال

أريد شرح المسألة الآتية بالمثال -إن أمكن-، وجزاكم الله خيرًا.
"فإن كان له عليه دين، فصالحه عنه بعين، أو دين قبضه قبل التفرق ...جاز"، الدين بالعين واضح، وأما الدين بالدين، فلم أفهمه، وأريد مثالًا لذلك؛ للفهم. نفع الله بجهودكم، وبارك فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا النص من كتاب: منهج السالكين لابن سعدي.

ومثال الصلح عن الدَّين بدَين: أن يعترف بدَين في ذمته، كألف ريال، فيصالحه عنه بشيء في ذمته -كمائة دولار، أو صاع شعير في ذمته-، فهنا يصح الصلح؛ بشرط أن يحصل القبض قبل التفرق؛ لأنه إذا حصل التفرق قبل القبض، كان كل واحد من العوضين دَينًا، فيصير بيع دَين بدَين، وهو منهي عنه شرعًا، جاء في شرح منهج السالكين للدكتور سليمان القصير: ومثال المصالحة عن دين بدين: أن يعترف له بدين، ويصالحه على شيء في الذمة، مثل أن يقول: أقر لك بألف ريال في ذمتي، أصالحك عنها بمائة صاع من التمر في ذمتي، فهنا يصح الصلح، ويحرم التفرق قبل القبض؛ لأنه يصير بيع دين بدين، وهو حرام.

وفي نيل المآرب: (وإن صالحه على عين غير المدعاة)؛ كما لو اعترف له بعين في يده، أو دين في ذمته، ثم يعوضه فيه ما يجوز تعويضه عنه (فهو بيع، يصح بلفظ الصلح، وتثبت فيه أحكام البيع) من العلم به، وسائر شروط البيع.

(فلو صالحه عن الدين بعين، واتفقا في علة الربا، اشترط قبض العوض في المجلس)، فإذا أقر له بذهب، فصالحه عنه بفضة، أو عكس، فتكون هذه المصالحة صرفًا؛ لأنها بيع أحد النقدين بالآخر، فيشترط لها ما يشترط للصرف، من التقابض بالمجلس. وكذا لو أقر له بقمح، وعوضه عنه شعيرًا، أو نحوهما مما لا يباع به نسيئة.
(و) إن كان الصلح (بشيء في الذمة) فإنه (يبطل بالتفرق قبل القبض)؛ لأنه إذا حصل التفرق قبل القبض، كان كل واحد من العوضين دينًا؛ لأن محله الذمة، فيصير بيع دَين بدَين، وهو منهي عنه شرعًا. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: صلح المعاوضة:

وهو الذي يجري على غير الدَّين المدعى، بأن يقر له بدَين في ذمته، ثم يتفقان على تعويضه عنه، وحكمه حكم بيع الدَّين، وإن كان بلفظ الصلح، وهو عند الفقهاء على أربعة أضرب:

الأول: أن يقر بأحد النقدين، فيصالحه بالآخر، نحو: أن يقر له بمائة درهم، فيصالحه منها بعشرة دنانير، أو يقرّ له بعشرة دنانير، فيصالحه منها على مائة درهم، وقد نص الفقهاء على أن له حكم الصرف؛ لأنه بيع أحد النقدين بالآخر، ويشترط له ما يشترط في الصرف من الحلول، والتقابض قبل التفرق.

والثاني: أن يقرّ له بعرض، كفرس، وثوب، فيصالحه عن العرض بنقد، أو يعترف له بنقد، كدينار، فيصالحه عنه على عرض، وقد نص الفقهاء على أن له حكم البيع؛ إذ هو مبادلة مال بمال، وتثبت فيه أحكام البيع.

والثالث: أن يقر له بدين في الذمة -من نحو بدل قرض، أو قيمة متلف-، فيصالح على موصوف في الذمة من غير جنسه، بأن صالحه عن دينار في ذمته، بإردب قمح، ونحوه في الذمة، وقد نص الحنفية، والمالكية، والحنابلة على صحة هذا الصلح، غير أنه لا يجوز التفرق فيه من المجلس قبل القبض؛ لأنه إذا حصل التفرق قبل القبض، كان كل واحد من العوضين دينًا - لأن محله الذمة -، فصار من بيع الدَّين بالدَّين، وهو منهي عنه شرعًا.

وقال الشافعية: يشترط تعيين بدل الصلح في المجلس؛ ليخرج عن بيع الدَّين بالدَّين. وفي اشتراط قبضه في المجلس وجهان: أصحهما: عدم الاشتراط، إلا إذا كانا ربويين.

والرابع: أن يقع الصلح عن نقد، بأن كان على رجل عشرة دراهم، فصالح من ذلك على منفعة: كسكنى دار، أو ركوب دابة مدة معينة، أو على أن يعمل له عملًا معلومًا، وقد نص الحنفية، والشافعية، والحنابلة على أن لهذا الصلح حكم الإجارة، وتثبت فيه أحكامها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني