الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحاديث الصوم عن الميت

أحاديث الصوم عن الميت

أحاديث الصوم عن الميت

العبادات البدنية منوطة بالمكلف لا يقوم بها غيره، إلا ما خصه الدليل كالحج في حال عدم الاستطاعة بالبدن، وأما الصلاة فمحل إجماع على عدم جواز الاستنابة فيها مطلقا، وأما الصوم عن الحي فلا خلاف في منع النيابة فيه، ويبقى الصوم عن الميت الذي تمكن من القضاء ولم يقض فقد حصل الخلاف في جوازه ومنعه، والخلاف مستند إلى ظواهر متعارضة، وهذا بيانها:

الأحاديث الآمرة بصوم ولي الميت الذي مات وعليه صوم:

عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه». متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان ذلك يؤدي عنها؟» قالت: نعم، قال: «فصومي عن أمك»، وفي رواية: "إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟" متفق عليه.

الأحاديث التي منعت من صوم ولي الميت عن الميت:

روى النسائي في الكبرى بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد» .

وبما روي عن عائشة أنها سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم قالت : يطعم عنها .

وعن عائشة قالت : لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم ، أخرجه البيهقي .

الجمع بين الأحاديث السابقة:

فقد جمع العلماء بين هذه الظواهر بأوجه متقاربة، وهذا بعض كلامهم:

قال الحافظ في الفتح : يمكن الجمع بحمل الإثبات في حق من مات والنفي في حق الحي، فيحمل حديث ابن عباس «ولا يصومن أحد عن أحد» على الصوم عن الحي وهذا لا خلاف في عدم جوازه، ويحمل حديث عائشة «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» على الصوم عن الميت وبهذا يجمع بين الظاهرين المتعارضين.

وقيل: إن حديث عائشة رضي الله عنها جاء في تقرير قاعدة كلية لجميع الأمة، بأن من مات وعليه صيام صام عنه وليه، وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فهو فرد من أفراد هذه القاعدة، وعليه فلا تعارض بينهما حتى يحمل المطلق على المقيد.

وقال النووي - رحمه الله- في شرح صحيح مسلم ما نصُّه : (وأما الحديث الوارد: من مات وعليه صيام أطعم عنه وليّه فليس بثابت, ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على جواز الأمرين, فإن من يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام, فثبت أن الصواب المتعين تجويز الصيام، وتجويز الإطعام, والولي مخير بينهما, والمراد بالولي القريب سواء كان عصبة، أو وارثا، أو غيرهما, وقيل المراد الوارث, وقيل العصبة, والصحيح الأول.
ولو صام عنه أجنبي إن كان بإذن الولي صح, وإلا فلا, في الأصح، ولا يجب على الولي الصوم عنه, لكن يستحب) اهـ.

وبهذا يتبين أن الصواب في هذه المسألة أن من مات وعليه صيام نذر، أو كفارة، أو من رمضان, وقد تمكن في حياته من الصيام ولم يصم أنه يشرع لوليه أن يصوم عنه، ويستحب له ذلك، ولا يجب عليه, وإن شاء أطعم عنه, وأن قضاء الصيام عن الميت ليس خاصا بصوم النذر كما قاله بعض أهل العلم، بل هو عام في كل صيام وجب على الميت، وتمكن في حياته من قضائه ولم يصمه لعموم حديث عائشة -رضي الله عنها- المتفق عليه السابق: من مات وعليه صيام صام عنه وليه ويؤيد ذلك ما ورد في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أتته امرأة فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر رمضان, فأقضيه عنها؟ قال: "أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضينه؟ قالت: نعم, قال: فدين الله عز وجل أحق أن يقضى".

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة