الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين

                                                                                                                                                                                                                                        يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والمبادرة إليها، من حين ينادى لها والسعي إليها، والمراد بالسعي هنا: المبادرة إليها والاهتمام لها، وجعلها أهم الأشغال، لا العدو الذي قد نهي عنه عند المضي إلى الصلاة، وقوله: وذروا البيع أي: اتركوا البيع، إذا نودي للصلاة، وامضوا إليها.

                                                                                                                                                                                                                                        فإن ذلكم خير لكم من اشتغالكم بالبيع، أو تفويتكم الصلاة الفريضة، التي هي من آكد [ ص: 1830 ] الفروض.

                                                                                                                                                                                                                                        إن كنتم تعلمون أن ما عند الله خير وأبقى، وأن من آثر الدنيا على الدين، فقد خسر الخسارة الحقيقية، من حيث يظن أنه يربح، وهذا الأمر بترك البيع مؤقتا مدة الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض لطلب المكاسب والتجارات ولما كان الاشتغال بالتجارة، مظنة الغفلة عن ذكر الله، أمر الله بالإكثار من ذكره، فقال: واذكروا الله كثيرا أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم، لعلكم تفلحون فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح.

                                                                                                                                                                                                                                        وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها أي: خرجوا من المسجد، حرصا على ذلك اللهو، و تلك التجارة، وتركوا الخير، وتركوك قائما تخطب الناس، وذلك في يوم جمعة، بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، إذ قدم المدينة، عير تحمل تجارة، فلما سمع الناس بها، وهم في المسجد، انفضوا من المسجد، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب استعجالا لما لا ينبغي أن يستعجل له، وترك أدب، قل ما عند الله من الأجر والثواب، لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة الله.

                                                                                                                                                                                                                                        خير من اللهو ومن التجارة التي، وإن حصل منها بعض المقاصد، فإن ذلك قليل منقض، مفوت لخير الآخرة، وليس الصبر على طاعة الله مفوتا للرزق، فإن الله خير الرازقين، فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي هذه الآيات فوائد عديدة:

                                                                                                                                                                                                                                        منها: أن الجمعة فريضة على جميع المؤمنين، يجب عليهم السعي إليها، والمبادرة والاهتمام بشأنها.

                                                                                                                                                                                                                                        ومنها: أن الخطبتين يوم الجمعة، فريضة يجب حضورهما، لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين، فأمر الله بالمضي إليه والسعي له.

                                                                                                                                                                                                                                        ومنها: مشروعية النداء للجمعة، والأمر به.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1831 ] ومنها: النهي عن البيع والشراء، بعد نداء الجمعة، وتحريم ذلك، وما ذاك إلا لأنه يفوت الواجب ويشغل عنه، فدل ذلك على أن كل أمر وإن كان مباحا في الأصل، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب، فإنه لا يجوز في تلك الحال.

                                                                                                                                                                                                                                        ومنها: الأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة، وذم من لم يحضرهما، ومن لازم ذلك الإنصات لهما.

                                                                                                                                                                                                                                        ومنها: أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله، وقت دواعي النفس لحضور اللهو والتجارات والشهوات، أن يذكرها بما عند الله من الخيرات، وما لمؤثر رضاه على هواه.

                                                                                                                                                                                                                                        تم تفسير سورة الجمعة بمن الله وعونه، والحمد لله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية