الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
183 [ 250 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن مالك بن مغول، عن [عون بن أبي جحيفة] عن أبيه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح وخرج بلال بالعنزة فركزها فصلى إليها والكلب والحمار والمرأة يمرون بين يديه.

التالي السابق


الشرح

مالك: هو ابن مغول بن عاصم، أبو عبد الله البجلي الكوفي.

سمع: طلحة بن مصرف، والشعبي، وعطاء.

وروى عنه: الثوري، ووكيع، وأبو نعيم.

مات سنة تسع وخمسين ومائة.

وعون: هو ابن وهب أبي جحيفة بن عبد الله السوائي.

سمع: أباه، والمنذر بن جرير.

وروى عنه: الثوري، وشعبة، وعمر بن أبي زائدة، وأبو [ ص: 468 ] العميس.

وأبوه أبو جحيفة يقال له: وهب الخير نزل الكوفة وابتنى بها دارا.

سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن: علي، والبراء بن عازب.

روى عنه: سلمة بن كهيل، وأبو إسحاق السبيعي، والشعبي.

وكان حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الحلم.

والحديث الأول صحيح أخرجه البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب عن سفيان، وأخرجا الحديث الثاني أيضا من طرق عن عون بن أبي جحيفة.

وقوله: معترضة كاعتراض الجنازة أي: كما توضع الجنازة عرضا للصلاة عليها.

والأبطح يضاف إلى مكة وإلى منى وهو إلى منى أقرب، وعن ابن دريد أن الأبطح والبطحاء: الرمل المنبسط على وجه الأرض، والعنزة: عصا في طرفها زج، وقيل: هي قدر نصف رمح أو أقل لها سنان كسنان الرمح، وقيل: العنزة ما دور نصله، والحربة العريضة النصل.

واحتجت عائشة بما ذكرته على أن مرور المرأة بين يدي المصلي [ ص: 469 ] لا يبطل صلاته، ففي الصحيح عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: ما يقطع الصلاة؟

فقلت: المرأة والحمار.

فقالت: إن المرأة امرأة سوء لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي
وروي أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح.

وإنما كانوا يقولون: إن المرأة والحمار يقطعان الصلاة؛ لما روي في الصحيح عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويبقي ذلك مثل مؤخرة الرحل.

ويؤيد قول عائشة وبه قال عثمان، وعلي، وابن عمر - رضي الله عنه -: ما روي في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى إلى غير جدار فجئت راكبا على حمار لي وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الحمار ترتع ودخلت مع الناس، فلم ينكر ذلك علي أحد [ ص: 470 ]

قال الشافعي: قوله: إلى غير جدار يعني إلى غير سترة، وعن الفضل بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ليس بين يديه سترة والحمار والكلب يعبثان بين يديه فما بالى بذلك، وعن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يدرأ الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان.

وأول الشافعي حديث القطع في كتاب حرملة على أن الالتفات إليها والاشتغال بها يقطع الذكر ويخل بالخشوع، وأما حديث أبي جحيفة فإنه لا يعارض حديث أبي ذر وأبي هريرة؛ لأن قوله: والكلب والحمار والمرأة يمرون بين يديه يعني من وراء العنزة، يدل عليه في بعض روايات الصحيح: وكان يمر من ورائهما الحمار والمرأة وفي بعضها: ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة، وقطع الصلاة في حديثهما شرط بما إذا لم يكن سترة.

وفي الحديث أن المصلي ينبغي أن يصلي إلى سترة، روي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء، ولتكن السترة بقدر آخرة الرحل لما مر، وعن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك [ ص: 471 ]

وآخرة الرحل ومؤخرته: عود في مؤخره وهو ثلثا ذراع إلى ذراع، ويستحب للمصلي أن يدنو من السترة أن يجعلها على حاجبه الأيمن أو الأيسر.




الخدمات العلمية