الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                616 617 ص: وقد بين [1\ق160-أ] ذلك ما حدثنا علي بن معبد، قال: نا المعلى بن منصور، قال: نا عيسى بن يونس ، عن أبي سنان ، عن الضحاك بن عبد الرحمن ، عن أبي موسى: " : أن النبي - عليه السلام - مسح على جوربيه ونعليه".

                                                حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: نا أبو عاصم ، عن سفيان الثوري ، عن أبي قيس ، عن هزيل بن شرحبيل ، عن المغيرة بن شعبة ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله.

                                                فأخبر أبو موسى 5 والمغيرة عن مسح النبي - عليه السلام - على . نعليه كيف كان منه.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد بين ما ذكرنا من التوجيه، وهو أنه يجوز أن يكون النبي - عليه السلام - مسح على نعلين تحتهما جوربان ... إلى آخره، وهو على صيغة المعلوم.

                                                وقوله: "ما حدثنا" في محل الرفع، فاعله.

                                                وأخرج فيه حديثين:

                                                أحدهما: عن أبي موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس، ورجاله ثقات.

                                                وأبو سنان -بكسر السين المهملة وبالنون المخففة- اسمه عيسى بن سنان الحنفي الفلسطيني .

                                                فإن قيل: قال أبو داود: هذا الحديث ليس بالمتصل ولا بالقوي. وقال البيهقي: الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه عن أبي موسى الأشعري ، وعيسى بن سنان لا يحتج به.

                                                [ ص: 298 ] قلت: قال عبد الغني في "الكمال": الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال: عرزم، سمع أباه وأبا موسى الأشعري وأبا هريرة .

                                                وقال في ترجمة عيسى بن سنان: قال يحيى بن معين: ثقة. ووثقه ابن حبان أيضا .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير" : نا أحمد بن يحيى الحلواني، نا سعيد بن سليمان ، عن عيسى بن يونس ، عن أبي سنان ، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب ، عن أبي موسى قال: "دعا النبي - عليه السلام - بوضوء فتوضأ ومسح على الجوربين والعمامة والنعلين".

                                                والآخر: عن [المغيرة - رضي الله عنه -] ورجال حديثه ثقات أيضا، وأبو عاصم النبيل: الضحاك بن مخلد .

                                                وأبو قيس اسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي الكوفي .

                                                وأخرجه أبو داود : نا عثمان بن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن سفيان الثوري .. إلى آخره ولفظه: "أن رسول الله - عليه السلام - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين".

                                                والترمذي : عن هناد ومحمود بن غيلان، كلاهما عن وكيع ، عن سفيان ... إلى آخره نحوه.

                                                [ ص: 299 ] وقال: هذا حديث حسن صحيح.

                                                وابن ماجه : عن علي بن محمد ، عن وكيع ، عن سفيان ... إلى آخره نحوه.

                                                واحتج [به] الجمهور من العلماء على جواز المسح على الجوربين.

                                                قال الترمذي : وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح على الجوربين، وإن لم يكونا منعلين، إذا كانا ثخينين.

                                                قال أبو عيسى: سمعت صالح بن محمد الترمذي قال: سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول: "دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه، فدعا بماء فتوضأ، وعليه جوربان فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئا لم أكن أفعله، مسحت على الجوربين وهما غير منعلين".

                                                وفي "البدائع" : وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين يجوز بلا خلاف بين أصحابنا، وإن لم يكونا مجلدين أو منعلين، فإن كانا رقيقين يشفان الماء لا يجوز المسح عليهما بالإجماع، وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد يجوز، وروي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره، وعند الشافعي لا يجوز المسح على الجوارب وإن كانت منعلة، إلا إذا كانت مجلدة إلى الكعبين، واحتج أبو يوسف ومحمد بحديث المغيرة ، ولأبي حنيفة أن جواز المسح على الخفين ثبت نصا، بخلاف القياس، فكان كل ما في معنى الخف في إدمان المشي عليه، وإمكان قطع السفر به يلحق به، وما لا فلا.

                                                [ ص: 300 ] ومعلوم أن غير المجلد والمنعل من الجوارب لا يشارك الخف في هذا المعنى، فتعذر الإلحاق.

                                                وأما الحديث فيحتمل أنهما كانا مجلدين أو منعلين، وبه نقول، ولا عموم له لأنه حكاية حال؛ ألا ترى أنه لا يتناول الرقيق من الجوارب؟ انتهى.

                                                وفي "المغني" : قال أحمد: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب النبي - عليه السلام - وقال ابن المنذر: [1\ق160-ب] يروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله - عليه السلام -: علي ، وعمار ، وابن مسعود ، وأنس ، وابن عمر ، والبراء ، وبلال ، وابن أبي أوفى ، وسهل بن سعد، وبه قال عطاء ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، والنخعي ، وسعيد بن جبير ، والأعمش ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وابن المبارك ، وإسحاق ، ويعقوب ، ومحمد .

                                                وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي ، ومجاهد ، وعمرو بن دينار ، والحسن بن مسلم ، والشافعي: لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا.

                                                وفي "مصنف ابن أبي شيبة" : نا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام: "أن أبا مسعود كان يمسح على الجوربين".

                                                نا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن خالد بن سعد ، عن عقبة بن عمرو: "أنه مسح على الجوربين من شعر".

                                                نا وكيع ، عن أبي جناب ، عن أبيه، عن خلاس أبي عمرو: "أن عمر - رضي الله عنه - توضأ ومسح على جوربيه ونعليه".

                                                [ ص: 301 ] نا أبو بكر بن عياش ، عن حصين ، عن إبراهيم قال: "الجوربان والنعلان بمنزلة الخفين".

                                                نا وكيع ، عن هشام ، عن قتادة ، عن أنس: "أنه كان يمسح على الجوربين".

                                                نا أبو بكر بن عياش ، عن عبد الله بن سعد ، عن [خلاس]، قال: "رأيت عليا -رضي الله عنه- بال، ثم مسح على جوربيه ونعليه".

                                                نا إسحاق الأزرق ، عن جويبر ، عن الضحاك: "أنه كان يقول في المسح على الجوربين: لا بأس به".

                                                نا الثقفي ، عن إسماعيل بن أمية قال: "بلغني أن البراء بن عازب كان لا يرى بالمسح على الجوربين بأسا وبلغني عن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب: "أنهما كانا لا يريان بأسا بالمسح على الجوربين".

                                                نا زيد بن حباب ، عن هشام بن سعد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد: "أنه مسح على الجوربين".

                                                وقال ابن حزم في "المحلى": والعجب من الحنفيين والشافعيين والمالكيين يشنعون ويعظمون مخالفة الصاحب إذا وافق تقليدهم، وهم قد خالفوا ها هنا أحد عشر صحابيا لا مخالف لهم من الصحابة، ممن يجيز المسح، منهم: عمر، وابنه، وعلي ، وابن مسعود؛ فخالفوا السنة الثابتة عن رسول الله -عليه السلام- والقياس بلا معنى.

                                                [ ص: 302 ] قلت: هذا تشنيع ساقط وكلام واه؛ فالحنفيون ما خالفوا ها هنا أحدا من الصحابة، بل مذهبهم جميعا جواز المسح على الجوربين، وما روي عن أبي حنيفة في المنع فقد صح رجوعه عنه كما صرح به الترمذي في جامعه.

                                                والشافعيون فقد ذكر الترمذي قول الشافعي مع قول من يجيز، غاية ما في الباب: اشترط الشافعي عدم نفوذ الماء من الجورب، وإمكان متابعة المشي. ولم ينقل عن أحد عدم اشتراط هذين الشرطين.

                                                والمالكيون فأكثرهم على الجواز.




                                                الخدمات العلمية