الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة وقال قتادة إن أخذ ثوبه يتبع السارق ويدع الصلاة

                                                                                                                                                                                                        1153 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا الأزرق بن قيس قال كنا بالأهواز نقاتل الحرورية فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي وإذا لجام دابته بيده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها قال شعبة هو أبو برزة الأسلمي فجعل رجل من الخوارج يقول اللهم افعل بهذا الشيخ فلما انصرف الشيخ قال إني سمعت قولكم وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات أو سبع غزوات وثماني وشهدت تيسيره وإني إن كنت أن أراجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي [ ص: 98 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 98 ] قوله : ( باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة ) أي ماذا يصنع ؟

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال قتادة إلخ ) وصله عبد الرزاق ، عن معمر عنه بمعناه ، وزاد : فيرى صبيا على بئر فيتخوف أن يسقط فيها ، قال : ينصرف له .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كنا بالأهواز ) بفتح الهمزة وسكون الهاء ؛ هي بلدة معروفة بين البصرة وفارس ، فتحت في خلافة عمر ، قال في المحكم : ليس له واحد من لفظه ، قال أبو عبيد البكري : هي بلد يجمعها سبع كور فذكرها . قال ابن خرداذبه : هي بلاد واسعة متصلة بالجبل وأصبهان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الحرورية ) بمهملات ؛ أي الخوارج ، وكان الذي يقاتلهم إذ ذاك المهلب بن أبي صفرة كما في رواية عمرو بن مرزوق ، عن شعبة عند الإسماعيلي ، وذكر محمد بن قدامة الجوهري في كتابه : " أخبار الخوارج " ، أن ذلك كان في سنة خمس وستين من الهجرة ، وكان الخوارج قد حاصروا أهل البصرة مع نافع بن الأزرق حتى قتل وقتل من أمراء البصرة جماعة إلى أن ولى عبد الله بن الزبير ، الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي على البصرة ، وولى المهلب بن أبي صفرة على قتال الخوارج ، وكذا ذكر المبرد في الكامل نحوه . وهو يعكر على من أرخ وفاة أبي برزة سنة أربع وستين أو قبلها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على جرف نهر ) هو بضم الجيم والراء بعدها فاء ، وقد تسكن الراء ، وهو المكان الذي أكله السيل . وللكشميهني بفتح المهملة وسكون الراء ؛ أي جانبه ، ووقع في رواية حماد بن زيد ، عن الأزرق في الأدب : " كنا على شاطئ نهر قد نضب عنه الماء " ؛ أي زال ، وهو يقوي رواية الكشميهني ، وفي رواية مهدي بن [ ص: 99 ] ميمون ، عن الأزرق ، عن محمد بن قدامة : " كنت في ظل قصر مهران بالأهواز على شاطئ دجيل " . وعرف بهذا تسمية النهر المذكور ، وهو بالجيم مصغرا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إذا رجل ) في رواية الحموي ، والكشميهني : " إذ جاء رجل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال شعبة هو أبو برزة الأسلمي ) أي الرجل المصلي ، وظاهره أن الأزرق لم يسمه لشعبة ، ولكن رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة ، فقال في آخره : " فإذا هو أبو برزة الأسلمي " . وفي رواية عمرو بن مرزوق عند الإسماعيلي : " . فجاء أبو برزة " . وفي رواية حماد في الأدب : " فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس ، فصلى وخلاها ، فانطلقت فاتبعها " . ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الأزرق بن قيس : " إن أبا برزة الأسلمي مشى إلى دابته وهو في الصلاة " ، الحديث . وبين مهدي بن ميمون في روايته أن تلك الصلاة كانت صلاة العصر ، وفي رواية عمرو بن مرزوق عند الإسماعيلي " فمضت الدابة في قبلته ، فانطلق فأخذها ، ثم رجع القهقرى " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجعل رجل من الخوارج يقول : اللهم افعل بهذا الشيخ ) في رواية الطيالسي : " فإذا بشيخ يصلي قد عمد إلى عنان دابته ، فجعله في يده ، فنكصت الدابة ، فنكص معها ، ومعنا رجل من الخوارج فجعل يسبه " . وفي رواية مهدي أنه قال : ألا ترى إلى هذا الحمار ، وفي رواية حماد : فقال : انظروا إلى هذا الشيخ ، ترك صلاته من أجل فرس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أو ثمانيا ) كذا للكشميهني ، وفي رواية غيره : " أو ثماني " بغير ألف ولا تنوين ، وقال ابن مالك في شرح التسهيل : الأصل أو ثماني غزوات ، فحذف المضاف ، وأبقى المضاف إليه على حاله ، وقد رواه عمرو بن مرزوق بلفظ : " سبع غزوات " بغير شك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وشهدت تيسيره ) كذا في جميع الأصول وفي جميع الطرق : " من التيسير " ، وحكى ابن التين ، عن الداودي أنه وقع عنده : " وشهدت تستر " بضم المثناة وسكون المهملة ، وفتح المثناة ، وقال : معنى شهدت تستر ؛ أي فتحها ، وكان في زمن عمر . انتهى . ولم أر ذلك في شيء من الأصول ، ومقتضاه ، أن لا يبقى في القصة شائبة رفع ، بخلاف الرواية المحفوظة ، فإن فيها إشارة إلى أن ذلك كان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم تجويز مثله ، وزاد عمرو بن مرزوق في آخره : " قال : فقلت للرجل : ما أرى الله إلا مخزيك ، شتمت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ " . وفي رواية مهدي بن ميمون : " فقلت : اسكت ، فعل الله بك ، هل تدري من هذا ؟ هو أبو برزة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم " . ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية الرجل المذكور .

                                                                                                                                                                                                        وفي هذا الحديث من الفوائد جواز حكاية الرجل مناقبه إذا احتاج إلى ذلك ، ولم يكن في سياق الفخر ، وأشار أبو برزة بقوله : " ورأيت تيسيره " . إلى الرد على من شدد عليه في أن يترك دابته تذهب ، ولا يقطع صلاته ، وفيه حجة للفقهاء في قولهم : أن كل شيء يخشى إتلافه من متاع وغيره يجوز قطع الصلاة لأجله .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : " مألفها " يعني الموضع الذي ألفته واعتادته ، وهذا بناء على غالب أمرها ، ومن الجائز أن لا ترجع إلى مألفها ، بل تتوجه إلى حيث لا يدري بمكانها ، فيكون فيه تضييع المال المنهي عنه .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : ظاهر سياق هذه القصة أن أبا برزة لم يقطع صلاته ، ويؤيده قوله في رواية عمرو بن [ ص: 100 ] مرزوق : " فأخذها ، ثم رجع القهقرى " . فإنه لو كان قطعها ما بالى أن يرجع مستدبر القبلة ، وفي رجوعه القهقرى ما يشعر بأن مشيه إلى قصدها ما كان كثيرا ، وهو مطابق لثاني حديثي الباب ؛ لأنه يدل أنه صلى الله عليه وسلم تأخر في صلاته وتقدم ولم يقطعها ، فهو عمل يسير ، ومشي قليل ، فليس فيه استدبار القبلة فلا يضر . وفي مصنف ابن أبي شيبة " سئل الحسن عن رجل صلى ، فأشفق أن تذهب دابته ، قال : ينصرف . قيل له أفيتم ؟ قال : إذا ولى ظهره القبلة استأنف " . وقد أجمع الفقهاء على أن المشي الكثير في الصلاة المفروضة يبطلها ، فيحمل حديث أبي برزة على القليل كما قررناه ، وقد تقدم أن في بعض طرقه أن الصلاة المذكورة كانت العصر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإني إن كنت أن أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ) . قال السهيلي : إني وما بعدها : اسم مبتدأ ، وأن أرجع : اسم مبدل من الاسم الأول ، وأحب : خبر عن الثاني ، وخبر " كان " محذوف ، أي : إني إن كنت راجعا أحب إلي . وقال غيره : أن كنت ؛ بفتح الهمزة ، وحذفت اللام ، وهي مع كنت بتقدير كوني ، وفي موضع البدل من الضمير في : إني ، وأن الثانية بالفتح أيضا مصدرية . ووقع في رواية حماد : " فقال : إن منزلي متراخ - أي متباعد - فلو صليت وتركته - أي الفرس - لم آت أهلي إلى الليل " ؛ أي لبعد المكان .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية