الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                631 وحدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى عن معاذ بن هشام قال أبو غسان حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب يوم الخندق جعل يسب كفار قريش وقال يا رسول الله والله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله إن صليتها فنزلنا إلى بطحان فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأنا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحق بن إبراهيم قال أبو بكر حدثنا وقال إسحق أخبرنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير في هذا الإسناد بمثله

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( إن عمر - رضي الله عنه - قال : يا رسول الله ، : ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فوالله إن صليتها ) معناه : ما صليتها وإنما حلف النبي - صلى الله عليه وسلم - تطييبا لقلب عمر - رضي الله عنه - : فإنه شق عليه تأخير العصر إلى قريب من المغرب ، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يصلها بعد ؛ ليكون لعمر به أسوة ، ولا يشق عليه ما جرى وتطيب نفسه ، وأكد ذلك الخبر باليمين . وفيه دليل على جواز اليمين من غير استحلاف ، وهي مستحبة إذا كان فيه مصلحة من توكيد الأمر أو زيادة طمأنينة ، أو نفي توهم نسيان أو غير ذلك من المقاصد السائغة ، وقد كثرت فيه الأحاديث ، وهكذا القسم من الله تعالى كقوله تعالى : والذاريات ، والطور ، والمرسلات ، والسماء والطارق ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، والضحى ، والتين ، والعاديات ، والعصر ، ونظائرها كل ذلك لتفخيم المقسم عليه وتوكيده . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فنزلنا إلى بطحان ) هو بضم الباء الموحدة وإسكان الطاء وبالحاء المهملتين ، هكذا هو عند جميع المحدثين في رواياتهم وفي ضبطهم وتقييدهم . وقال أهل اللغة : هو بفتح الباء وكسر الطاء ولم يجيزوا غير هذا ، وكذا نقله صاحب البارع وأبو عبيد البكري وهو واد بالمدينة .

                                                                                                                قوله : ( فنزلنا إلى بطحان فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوضأنا فصلى - صلى الله عليه وسلم - العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب ) هذا ظاهره أنه صلاهما في جماعة ، فيكون فيه دليل لجواز صلاة الفريضة الفائتة جماعة ، وبه قال العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عياض عن الليث بن سعد أنه منع ذلك ، وهذا إن صح عن الليث مردود بهذا الحديث والأحاديث الصحيحة الصريحة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح بأصحابه جماعة حين ناموا عنها ، كما ذكره مسلم بعد هذا بقليل . وفي هذا [ ص: 272 ] الحديث دليل على أن من فاتته صلاة وذكرها في وقت أخرى ينبغي له أن يبدأ بقضاء الفائتة ، ثم يصلي الحاضرة ، وهذا مجمع عليه ، لكنه عند الشافعي وطائفة على الاستحباب ، فلو صلى الحاضرة ثم الفائتة جاز ، وعند مالك وأبي حنيفة وآخرين على الإيجاب فلو قدم الحاضرة لم يصح . وقد يحتج به من يقول : إن وقت المغرب متسع إلى غروب الشفق ؛ لأنه قدم العصر عليها ، ولو كان ضيقا لبدأ بالمغرب ؛ لئلا يفوت وقتها أيضا ، ولكن لا دلالة فيه لهذا القائل ؛ لأن هذا كان بعد غروب الشمس بزمن بحيث خرج وقت المغرب عند من يقول إنه ضيق ، فلا يكون في هذا الحديث دلالة لهذا ، وإن كان المختار أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق كما سبق إيضاحه بدلائله والجواب عن معارضها .




                                                                                                                الخدمات العلمية