الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1392 حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبي حميد قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرصوها فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق وقال أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله وانطلقنا حتى قدمنا تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم فيها أحد منكم فمن كان له بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بردا ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها فقالت عشرة أوسق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي ومن شاء فليمكث فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة فقال هذه طابة وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه ثم قال إن خير دور الأنصار دار بني النجار ثم دار بني عبد الأشهل ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج ثم دار بني ساعدة وفي كل دور الأنصار خير فلحقنا سعد بن عبادة فقال أبو أسيد ألم تر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار فجعلنا آخرا فأدرك سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخرا فقال أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي قالا حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى بهذا الإسناد إلى قوله وفي كل دور الأنصار خير ولم يذكر ما بعده من قصة سعد بن عبادة وزاد في حديث وهيب فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم ولم يذكر في حديث وهيب فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 442 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 442 ] قوله صلى الله عليه وسلم في الحديقة : ( اخرصوها ) هو بضم الراء وكسرها ، والضم أشهر ؛ أي احزروا كم يجيء من تمرها . فيه استحباب امتحان العالم أصحابه بمثل هذا التمرين . والحديقة البستان من النخل إذا كان عليه حائط .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم فيها أحد ، فمن كان له بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة ، فقام رجل ، فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ ) هذا الحديث فيه هذه المعجزة الظاهرة من إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيب ، وخوف الضرر من القيام وقت الريح ، وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته ، والرحمة لهم ، والاعتناء بمصالحهم ، وتحذيرهم ما يضرهم في دين أو [ ص: 443 ] دنيا . وإنما أمر بشد عقل الجمال لئلا ينفلت منها شيء ، فيحتاج صاحبه إلى القيام في طلبه ، فيلحقه ضرر الريح ، وجبلا طيئ مشهوران يقال لأحدهما أجاء بفتح الهمزة والجيم ، وبالهمز ، والآخر سلمى بفتح السين . وطيئ بياء مشددة بعدها همزة على وزن سيد ، وهو أبو قبيلة من اليمن ، وهو طيئ بن أدر بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير . قال صاحب التحرير : وطيئ يهمز ولا يهمز لغتان .

                                                                                                                قوله : ( وجاء رسول ابن العلماء ) بفتح العين المهملة وإسكان اللام وبالمد .

                                                                                                                قوله : ( وأهدى له بغلة بيضاء ) فيه قبول هدية الكافر ، وسبق بيان هذا الحديث ، وما يعارضه في الظاهر ، وجمعنا بينهما .

                                                                                                                وهذه البغلة هي دلدل بغلة رسول الله المعروفة ، لكن ظاهر لفظه هنا أنه أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وقد كانت غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة ، وقد كانت هذه البغلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ، وحضر عليها غزاة حنين كما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة ، وكانت حنين عقب فتح مكة سنة ثمان . قال القاضي : ولم يرو أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة غيرها . قال : فيحمل قوله على أنه أهداها له قبل ذلك ، وقد عطف الإهداء على المجيء بالواو ، وهي لا تقتضي الترتيب ، والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه ) سبق شرحه في آخر كتاب الحج .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( خير دور الأنصار دار بني النجار ) قال القاضي : المراد أهل الدور ، والمراد القبائل ، وإنما فضل بني النجار لسبقهم في الإسلام ، وآثارهم الجميلة في الدين .

                                                                                                                قوله : ( ثم دار بني عبد الحارث بن خزرج ) هكذا هو في النسخ : ( بني عبد الحارث ) ، وكذا نقله القاضي . قال : وهو خطأ من الرواة ، وصوابه ( بني الحارث ) بحذف لفظة ( عبد ) .

                                                                                                                [ ص: 444 ] قوله : ( وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم ) أي ببلدهم ، والبحار القرى .




                                                                                                                الخدمات العلمية