الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب السواك من الفطرة

                                                                      53 حدثنا يحيى بن معين حدثنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك والاستنشاق بالماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء يعني الاستنجاء بالماء قال زكريا قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة حدثنا موسى بن إسمعيل وداود بن شبيب قالا حدثنا حماد عن علي بن زيد عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر قال موسى عن أبيه و قال داود عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من الفطرة المضمضة والاستنشاق فذكر نحوه ولم يذكر إعفاء اللحية وزاد والختان قال والانتضاح ولم يذكر انتقاص الماء يعني الاستنجاء قال أبو داود وروي نحوه عن ابن عباس وقال خمس كلها في الرأس وذكر فيها الفرق ولم يذكر إعفاء اللحية قال أبو داود وروي نحو حديث حماد عن طلق بن حبيب ومجاهد وعن بكر بن عبد الله المزني قولهم ولم يذكروا إعفاء اللحية وفي حديث محمد بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه وإعفاء اللحية وعن إبراهيم النخعي نحوه وذكر إعفاء اللحية والختان

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( يحيى بن معين ) : بفتح الميم وكسر العين المهملة : أبو زكريا البغدادي : ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل عن سفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وجماعة وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد وخلائق .

                                                                      قال أحمد : كل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث رضي الله تعالى عنه ( عشر من الفطرة ) : قال الحافظ أبو سليمان الخطابي : فسر أكثر العلماء الفطرة في هذا الحديث بالسنة وتأويله أن هذه الخصال من سنن الأنبياء الذين أمرنا أن نقتدي بهم بقوله تعالى : فبهداهم اقتده وأول من أمر بها إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وذلك قوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال ابن عباس : أمره بعشر خصال ثم عددهن فلما فعلهن قال : إني جاعلك للناس إماما ليقتدى بك ويستن بسنتك ، وقد أمرت هذه الأمة بمتابعته خصوصا ، وبيان ذلك في قوله تعالى : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا [ ص: 67 ] ويقال كانت عليه فرضا وهن لنا سنة ( قص الشارب ) : أي قطع الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال ، كذا في الفتح ، وورد الخبر بلفظ الحلق وهي رواية النسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا ، ويجيء تحقيق ذلك في كتاب الخاتم إن شاء الله تعالى ( وإعفاء اللحية ) : هو إرسالها وتوفيرها .

                                                                      واللحية بكسر اللام : شعر الخدين والذقن ، وفي رواية البخاري : " وفروا اللحى " وفي رواية أخرى لمسلم : " أوفوا اللحى " وكان من عادة الفرس قص اللحية ، فنهى الشارع عن ذلك وأمر بإعفائها ( والسواك ) : لأنه مطهرة للفم مرضاة للرب ( والاستنشاق بالماء ) : أي إيصال الماء إلى خياشيمه ، يحتمل حمله على ما ورد فيه الشرع باستحبابه من الوضوء والاستيقاظ ، وعلى مطلقه ، وعلى حال الاحتياج إليه باجتماع أوساخ في الأنف وكذا السواك يحتمل كلا منها ( وقص الأظفار ) : جمع ظفر أي تقليمها ( البراجم ) : بفتح الباء وبالجيم : جمع برجمة بضم الباء وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها ( ونتف الإبط ) : بكسر الهمزة والموحدة وسكونها وهو المشهور وهو يذكر ويؤنث ، والمستحب البداءة فيه باليمنى ، ويتأدى أصل السنة بالحلق ولا سيما من يؤلمه النتف .

                                                                      قال الغزالي : هو في الابتداء موجع ، ولكن يسهل على من اعتاده .

                                                                      قال : والحلق كاف لأن المقصود النظافة ، وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة الكريهة ، وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق ، فشرع فيه النتف الذي يضعفه ، فتخفف الرائحة به بخلاف الحلق ، فإنه يكثر الرائحة .

                                                                      وقال ابن دقيق العيد : من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل ( وحلق العانة ) : قال النووي : المراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة ، ونقل عن أبي العباس بن سريج : أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر ، فتحصل عن مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما ، لكن قال ابن دقيق العيد قال أهل اللغة : العانة : الشعر النابت على الفرج ، وقيل هو منبت الشعر ، فكأن الذي ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره بطريق القياس .

                                                                      قال : والأولى في إزالة الشعر هاهنا الحلق اتباعا ( يعني الاستنجاء بالماء ) : هذا التفسير من وكيع كما بينه قتيبة في رواية مسلم : فسره وكيع بالاستنجاء .

                                                                      وقال أبو عبيدة وغيره : انتقاص البول باستعمال الماء في غسل المذاكير .

                                                                      قال النووي [ ص: 68 ] انتقاص بالقاف والصاد : هو الانتضاح ، وقد جاء في رواية الانتضاح بدل انتقاص الماء .

                                                                      قال الجمهور : الانتضاح : نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس . انتهى .

                                                                      وقال في القاموس : الانتقاص بالفاء : رش الماء من خلل الأصابع على الذكر ، والانتقاص بالقاف : مثله ، واستدل به على أن في الماء خاصية قطع البول ( أن تكون ) : العاشرة ( المضمضة ) : فهذا شك من مصعب في العاشرة ، لكن قال القاضي عياض : ولعلها الختان المذكور مع الخمس .

                                                                      قال النووي : وهو أولى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن .

                                                                      ( عن سلمة ) : المدني ، مجهول الحال ( قال موسى ) : بن إسماعيل ( عن أبيه ) : محمد بن عمار بن ياسر العنسي ذكره ابن حبان في الثقاة .

                                                                      قال المنذري في تلخيصه وحديث سلمة بن محمد عن أبيه مرسل لأن أباه ليست له صحبة . انتهى .

                                                                      ( وقال داود عن عمار بن ياسر ) : قال المنذري : وحديثه عن جده عمار ، قال ابن معين : مرسل ، وقال إنه لم ير جده . انتهى .

                                                                      وعمار بن ياسر صحابي جليل .

                                                                      والحاصل أن سلمة بن محمد بن عمار إن روى عن أبيه فالحديث مرسل لأن محمد بن عمار لم يثبت له صحبة ، وإن روى عن جده عمار ( فذكر نحوه ) : أي ذكر عمار بن ياسر ومحمد نحو حديث عائشة ، وتمام حديث عمار بن ياسر على ما جاء في رواية ابن ماجه قال : " من الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط والاستحداد وغسل البراجم والانتضاح والاختتان " ( ولم يذكر ) : أحدهما في حديثه ( وزاد ) : أحدهما ( قال ) : أي أحدهما ، وحاصل الكلام أن الحديث ليس فيه ذكر إعفاء اللحية وانتقاص الماء ، وزاد فيه الختان والانتضاح وهو نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينتفي عنه الوسواس ( وروي ) : بالبناء للمجهول ( نحوه ) : أي نحو حديث سلمة بن محمد ( الفرق ) : بفتح الفاء وسكون الراء : هو أن يقسم رأسه نصفا من يمينه ونصفا من يساره ( ولم يذكر ) : ابن عباس . وهذا الأثر وصله عبد الرزاق في تفسيره والطبري من طريقه بسند صحيح واللفظ لعبد الرزاق : أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات [ ص: 69 ] قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد ، في الرأس : قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس ، وفي الجسد : تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء ( روي ) : بالبناء للمجهول ( قولهم ) : مفعول ما لم يسم فاعله ( روي ) : أي قول طلق بن حبيب ومجاهد وبكر المزني موقوفا عليهم دون متصل مرفوع ولم يذكروا هؤلاء في حديثهم ( نحوه ) : أي نحو حديث محمد بن عبد الله ( وذكر ) : أي إبراهيم في روايته .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه .

                                                                      ( إذا قام من الليل ) : ظاهر قوله من الليل عام في كل حالة ويحتمل أن يخص بما إذا قام للصلاة ويدل عليه رواية البخاري في الصلاة بلفظ " إذا قام للتهجد " ولمسلم نحوه ، وكذا في ابن ماجه في الطهارة ( يشوص ) : بفتح الياء وضم الشين المعجمة [ ص: 70 ] وبالصاد المهملة : دلك الأسنان بالسواك عرضا .

                                                                      قاله ابن الأعرابي والخطابي وغيرهما ، وقيل : هو الغسل . قاله الهروي وغيره ، وقيل غير ذلك .

                                                                      قال النووي : أظهرها الأول وما في معناه ( فاه بالسواك ) : لأن النوم يقتضي تغير الفم ، فيستحب تنظيفه عند مقتضاه .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية