الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 162 ] كتاب العقيقة

                                                                                                                قال أبو عبيدة : العقيقة الشعر الذي يكون على رأس المولود كأن بقاءه عقوق في حق الجنين ، وكذلك في الحديث : ( أميطوا عنه الأذى ) فسميت الشاة عقيقة ; لأنها تذبح عند حلقه ، وقال ابن حنبل : العقيقة : الذبح نفسه ; لأنه قطع الأوداج وغيرها ، ولذلك سمي قطع الرحم عقوقا ، فالذبيحة عقيقة ( فعيلة ) بمعنى مفعولة أي مقطوعة كرهينة بمعنى مرهونة ، والعقيقة في الإسلام للمولود . قال مالك : كما يعمله أهل الكتاب لدخول صبيانهم في أديانهم كماء المعمودية وغيرها . قال ابن يونس : وهي سنة ليست بواجبة ، وقاله ( ش ) ، وابن حنبل ، وقال ( ح ) : بدعة ، وفي النسائي قال - عليه السلام - : ( كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ، ويحلق رأسه ويسمى ) وقال - عليه السلام - : ( من ولد له مولود [ ص: 163 ] فأحب أن ينسك عنه فليفعل ) فالأول يدل على الطلب ، وتعليقها على الاختيار في الثاني يدل على عدم الوجوب ، فيتعين الندب .

                                                                                                                ومن ولد له ولدان في بطن واحد ، فشاتان ، ولا يشترك فيها كالأضحية ، والذكر والأنثى سواء شاة ، وقال ( ش ) و ( ح ) : للغلام شاتان لما في أبي داود قال - عليه السلام - : ( عن الغلام شاتان متكافئتان ، وعن الجارية شاة ) ولأن النعمة في الغلام أتم ، فيكون الشكر أعلى ، والجواب عن الأول : المعارضة بما في أبي داود : أنه - عليه السلام - عق عن الحسن كبشا ، وعن الحسين كبشا . قال : وهو صحيح ، وعن الثاني : أنها قربة ، فيستويان فيها كالأضحية . قال مالك : وهي جنسها جنس الأضاحي : الغنم ، والبقر ، والإبل ، وقال محمد : لا يعق إلا بجذع الضأن ، وثني المعز ; لأنه السنة . قال ابن حبيب : وهي كالأضحية في سلامتها من العيوب وسنها ، ومنع بيع شيء منها ، وتكسر عظام العقيقة خلافا لابن حنبل مخالفة للجاهلية ، فإنهم كانوا يفصلونها من المفاصل تفاؤلا بسلامة المولود من الكسر ، والاستعاذة بما لم يجعله الشرع عوذة ممنوع ، ولذلك نهى الشرع عن شد الأوتار على الخيل والركاب . قال مالك : أراه من العين ، قال عبد الوهاب : الكسر مباح ليس بمستحب . قال مالك : وليس على الناس حلق رأس المولود ، والتصدق بوزن شعره ورقا أو ذهبا ، ويجوز فعله ، واستحسنه ( ش ) ، وفي الجواهر : كرهه مالك مرة وأجازه أخرى ، وفي الترمذي : عق - عليه السلام - بشاة عن الحسن ، وقال : ( يا فاطمة [ ص: 164 ] احلقي رأسه ، وتصدقي بزنة شعره فضة . قال : فوزناه ، فكان وزنه درهما أو بعض الدرهم ) .

                                                                                                                ويستحب أن يلطخ رأس المولود بزعفران عوضا من الدم الذي كانت الجاهلية تفعله على رأسه من العقيقة ، وفي أبي داود : ( كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ، ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ، ونحلق رأسه ، ونلطخه بزعفران ) وقاله ( ش ) ، وابن حنبل . قال مالك : ولا يسمى إلا في اليوم السابع للحديث المتقدم ، ومن فاته أن يعق عنه في الأسبوع الأول فلا يعق بعده ، وقيل : يعق في الأسبوع الثاني فإن فاته ففي الثالث ، وقاله ابن حنبل ، فإن فاته ففي الرابع ، وهو مروي عن مالك ، وأهل العراق يعقون عن الكبير ، ففي أبي داود أنه - عليه السلام - عق عن نفسه بعد النبوة ، ولظاهر قوله - عليه السلام - : ( كل غلام رهين بعقيقته ) الحديث المتقدم ، وظاهره أنه لا يزال مرتهنا حتى يعق عنه ، وهو معارض بالقياس على فوات زمان الأضحية ( وفي الجواهر : روى ابن وهب أن الأسابيع الثلاثة كالأيام الثلاثة للأضحية ) يعق فيها ، ولا تتعدى ، وفي مختصر الوقار : إن فات الأول [ ص: 165 ] ففي الثاني ولا يتعدى . قال ابن يونس : وقال ابن حنبل : يجوز تقديمها على السابع كتقديم الكفارة على الحنث ، والزكاة على الحول ، وجوابه : أن اليمين والنصاب سببان ، والحنث والحول شرطان ، وتقديم الحكم على شرطه إذا تقدم سببه يجوز ، والسابع هاهنا سبب كيوم النحر للأضحية ، والتقديم عليه كالتقديم على اليمين وملك النصاب ، ولم يقل به أحد .

                                                                                                                وفي الجواهر : تذبح ضحى كالضحايا ، ورواه محمد ، وقال ابن حبيب : لا تذبح سحرا ولا عشاء ، بل من الضحى إلى الزوال . قال صاحب البيان : قال عبد الملك : تجزئ بعد الفجر قال : وهو الأظهر لعدم ارتباطها بالصلاة ، فقياسها على الهدايا أولى من الضحايا .

                                                                                                                وفي وقت حساب السابع أربعة أقوال : سبعة أيام بلياليها يبتدأ من غروب الشمس ، ويلغى ما قبل ذلك من ليل أو نهار ، وقاله عبد الملك ، وقال ابن القاسم ، ورواه في الكتاب : إن ولد بعد الفجر ألغي ذلك اليوم أو قبله حسب ، وكان مالك يقول : إن ولد قبل الزوال حسب أو بعده ألغي ، وقال ابن أبي سلمة : يحسب ولو كان قبل الغروب ، ويكمل السابع إلى مثل تلك الساعة . قال ابن يونس : قال مالك : ويعمل طعاما ويدعو إليه . قال اللخمي : قال مالك ، وابن القاسم : لا يعجبني جعلها صنيعا يدعو إليه . وفي الجواهر : الإطعام كالأضحية أفضل من الدعوة . قال ابن يونس : من مات ولده قبل السابع فلا عقيقة عليه ، ولا تسمية لفوات السبب . قال ابن حبيب : يسمى ، وكذلك السقط ، وفي الحديث يقول السقط يوم القيامة : تركتني بلا اسم ، فلم يعرفه . قال اللخمي : من لا يعق عنه لا بأس أن يسمى [ ص: 166 ] يوم يولد وقد أتي - عليه السلام - بعبد الله بن أبي طلحة يوم ولد ، فحنكه بتمرة ، وسماه عبد الله . قال ابن يونس : فإن كان سابعه يوم الأضحى . قال مالك : يعق بها . قال ابن حبيب : إلا أن يكون آخر أيام منى ، فليضح ; لأن الضحية إما واجبة وإما سنة على الخلاف ، والعقيقة إما سنة مستحبة أو بدعة على الخلاف .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب القبس : قال شيخنا أبو بكر الفهري : إذا ذبح أضحيته للأضحية والعقيقة لا تجزئه ، فلو طعمها وليمة للعرس أجزأه ، والفرق أن المقصود في الأولين إراقة الدم ، وإراقة لا تجزئ عن إراقتين ، والمقصود من الوليمة الإطعام ، وهو غير مناف للإراقة ، فأمكن الجمع .

                                                                                                                فصل

                                                                                                                قال ابن يونس : الختان سنة مؤكدة في الذكور والإناث ، وقال ( ش ) : فرض . لنا : القياس على قص الظفر ، وسائر تحسينات البدن ، ويدل على [ ص: 167 ] طلبه قوله - عليه السلام - : ( عشر من الفطرة ) فذكر الختان ، والفطرة هي السنة ، وأول من اختتن الخليل - عليه السلام - ابن مائة وعشرين سنة ، وعاش بعدها عشرين سنة ، واختتن إسماعيل - عليه السلام - ابن ثلاث عشرة سنة ، واختتن إسحاق - عليه السلام - ابن سبعة أيام ، وكرهه مالك يوم الولادة ، ويوم السابع ; لأنه من فعل اليهود قال : وحد الختان الأمر بالصلاة من سبع سنين إلى عشر . قال ابن حبيب : الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ، وأصله في النساء أن هاجر كانت أمة لسارة - رضي الله عنها - فوهبتها للخليل - عليه السلام - ثم غارت منها ، فحلفت لتقطعن منها ثلاث أشراق ، فأمرها أن تثقب أذنيها وتخفضها ، وقال - عليه السلام - لأم عطية ، وكانت تخفض النساء : ( يا أم عطية : أشمي ولا تنهكي ، فإن ذلك أسر للوجه وأحظى عند الزوج ) يعني : لا تبالغي في القطع ، فإنه أحسن للوجه وللجماع ، والشأن عدم الطعام في ذلك والستر ، وأما ختن الرجل ، فكانوا يدعون إليه ، وأمر - عليه السلام - بالدعاء إليه ، فقال : ( لا وليمة إلا في خرس ، أو عرس ، أو إعذار ) فالعرس : البناء بالزوجة ، والخرس : نفاسها [ ص: 168 ] والإعذار : الختان ، كما أن العتيرة طعام يبعث به لأهل الميت ، والنقيعة : طعام يعمل ليصلح بين الناس ، والقدوم من السفر ، والوكيرة : ما عمل لبناء الدار ، ونحوها ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يدعو إليه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية