الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        330 [ ص: 14 ] 300 - وأما حديث مالك ( الذي ) ذكره في هذا الباب من الموطأ بعد حديثه عن داود بن الحصين ، ذكره عن أبي الزبير المكي ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ; أن معاذ بن جبل أخبره ، أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عام تبوك . فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء . قال : فأخر الصلاة يوما . ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل . ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا . ثم قال : " إنكم ستأتون غدا ، إن شاء الله ، عين تبوك . وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار . فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي " ، فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان . والعين تبض بشيء من ماء . فسألهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل مسستما من مائها شيئا ؟ " فقالا : نعم . فسبهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهما ما شاء الله أن يقول . ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا ، حتى اجتمع في شيء ، ثم غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وجهه ويديه ، ثم أعاده فيها ، فجرت العين بماء كثير . فاستقى الناس . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يوشك ، يا معاذ ، إن طالت بك حياة ، أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا " .

                                                                                                                        [ ص: 15 ] 301 - مالك ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل به السير ، يجمع بين المغرب والعشاء .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        7714 - قال أبو عمر : ليس في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أن المسافر لا يجوز له الجمع بين الصلاتين إلا أن يجد به السير ، بدليل حديث معاذ بن جبل ; لأن فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر .

                                                                                                                        7715 - وليس في أحد الحديثين ما يعارض الآخر ، وإنما التعارض لو كان في حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يجمع بين الصلاتين إلا أن يجد به السير ، فحينئذ كان يكون التعارض لحديث معاذ .

                                                                                                                        [ ص: 16 ] 7716 - وإنما هما حديثان حكى الراوي لكل واحد منهما ( . . . . ) الجمع للمسافر بالصلاتين ، جد به السير أو لم يجد ، ولو تعارض الحديثان لكان الحكم لحديث معاذ ; لأنه أثبت ما نفاه ابن عمر ، وليس للنافي شهادة مع المثبت .

                                                                                                                        7717 - وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب :

                                                                                                                        7718 - روى ابن القاسم عن مالك أنه قال : لا يجمع المسافر في حج أو عمرة إلا أن يجد به السير ، أو يخاف فوت أمر ، فيجمع في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر ، وكذلك في المغرب والعشاء إن ( ارتحل ) عند الزوال ، فيجمع حينئذ في المرحلة بين الظهر والعصر . ولم يذكر في العشائين الجمع عند الرحيل أول الوقت .

                                                                                                                        7719 - قال سحنون : وهما كالظهر والعصر .

                                                                                                                        7720 - قال أبو عمر : رواية ابن القاسم هذه تضاهي مذهب الكوفيين في الجمع بين الصلاتين للمسافر ، ورواية أهل المدينة عن مالك بخلاف ذلك .

                                                                                                                        7721 - قال عبد الملك بن حبيب عن شيوخه : وللمسافر أن يجمع بين الصلاتين ليقطع سفره وإن لم يخف فوات شيء يبادره . 7722 - وذكر أبو الفرج ، عن مالك ، قال : ومن أراد الجمع بين الصلاتين في السفر جمع بينهما ، إن شاء في آخر وقت الأولى منهما ، وأن شاء في آخر وقت الآخرة منهما ، وإن شاء أخر الأولى فصلاها في آخر وقتها وصلى الثانية في أول وقتها .

                                                                                                                        [ ص: 17 ] 7723 - قال : وذلك كجواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة .

                                                                                                                        7724 - قال أبو الفرج : وأصل هذا الباب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سافر فقصر وجمع بينهما كذلك ، والجمع أيسر خطبا من القصر ، فوجب الجمع بينهما في الوقت الذي جمع بينهما فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        7725 - قال أبو عمر : الجمع بين الصلاتين بعرفة ثم بالمزدلفة ، أصل مجتمع عليه ، واجب أن يرد كل ما اختلف فيه من معناه إليه .

                                                                                                                        7726 - ذكر مالك في هذا الباب من " الموطأ "




                                                                                                                        الخدمات العلمية