الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        يحرم على الحائض ما يحرم على الجنب ، ولا يجب عليها قضاء الصلاة . ولو أرادت العبور في المسجد ، فإن خافت تلويثه لعدم إحكامها الشد ، أو لغلبة الدم ، حرم العبور عليها ، ولا يختص هذا بها ، بل المستحاضة ، والسلس ، ومن به جراحة نضاخة ، يحرم عليهم العبور إذا خافوا التلويث . فإن أمنت الحائض التلويث ، جاز العبور على الصحيح ، كالجنب ومن عليه نجاسة لا يخاف تلويثها . ويحرم عليها الصوم ، ويجب قضاؤه . وهل يقال : إنه واجب حال الحيض ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح الذي عليه المحققون والجماهير : أنه ليس واجبا ، بل يجب القضاء بأمر جديد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما الاستمتاع بالحائض ، فضربان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : الجماع في الفرج ، فيحرم ويبقى تحريمه إلى أن ينقطع الحيض ، وتغتسل ، أو تتيمم عند عجزها عن الغسل . فلو لم تجد ماء ولا ترابا ، صلت الفريضة ، وحرم وطؤها على الصحيح . ومتى جامع في الحيض متعمدا عالما بالتحريم ، فقولان . المشهور الجديد : لا غرم عليه ، بل يستغفر الله ويتوب ، لكن يستحب أن يتصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم ، أو بنصف دينار إن جامع في إدباره . والقديم : يلزمه غرامة . وفيها قولان . المشهور منهما ما قدمنا استحبابه في الجديد . والثاني : عتق رقبة بكل حال . ثم الدينار الواجب ، أو [ ص: 136 ] المستحب ، مثقال الإسلام من الذهب الخالص ، يصرف إلى الفقراء والمساكين . ويجوز صرفه إلى واحد . وعلى قول الوجوب : يجب على الزوج دون الزوجة . وفي المراد بإقبال الدم وإدباره : وجهان . الصحيح المعروف : أن إقباله : أوله وشدته . وإدباره : ضعفه وقربه من الانقطاع . والثاني : قول الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني : إقباله : ما لم ينقطع ، وإدباره : إذا انقطع ولم تغتسل . أما إذا وطئها ناسيا ، أو جاهلا التحريم ، أو الحيض ، فلا شيء عليه قطعا . وقيل : يجيء وجه على القول القديم : أنه يجب الغرم .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : الاستمتاع بغير الجماع . وهو نوعان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : الاستمتاع بما بين السرة والركبة ، والأصح المنصوص : أنه حرام . والثاني : لا يحرم . والثالث : إن أمن على نفسه التعدي إلى الفرج لورع ، أو لقلة شهوة ، لم يحرم ، وإلا حرم . وحكي الثاني قولا قديما .

                                                                                                                                                                        النوع الثاني : ما فوق السرة وتحت الركبة ، وهو جائز ، أصابه دم الحيض ، أم لم يصبه . وفي وجه شاذ : يحرم الاستمتاع بالموضع المتلطخ بالدم . ومن أحكام الحيض : أنه يجب الغسل عند انقطاعه ، وأنه يمنع صحة الطهارة ما دام الدم مستمرا ، إلا الأغسال المشروعة ، لما لا يفتقر إلى طهارة ، كالإحرام ، والوقوف ، فإنها تستحب للحائض ، وإذا قلنا بالضعيف : إن الحائض تقرأ القرآن ، فلها أن تغتسل إذا أجنبت لتقرأ .

                                                                                                                                                                        ومن أحكام الحيض : أنه يوجب البلوغ ، وتتعلق به العدة والاستبراء ، ويكون الطلاق فيه بدعيا ، وحكم النفاس حكم الحيض إلا في إيجاب البلوغ وما بعده .

                                                                                                                                                                        قلت : ومن أحكامه : منع وجوب طواف الوداع ، ومنع قطع التتابع في صوم الكفارة ، وقول الإمام الرافعي : وحكم النفاس حكم الحيض إلا في إيجاب البلوغ ، وما بعده ، يقتضي أن لا يكون الطلاق فيه بدعيا ، وليس كذلك ، بل هو بدعي ، لأن المعنى المقتضي بدعيته في الحيض موجود فيه ، وقد صرح الرافعي أيضا في كتاب ( الطلاق ) بكونه بدعيا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 137 ] وإذا انقطع الحيض ، ارتفع تحريم الصوم وإن لم تغتسل ، وكذا الطلاق ، وسقوط قضاء الصلاة ، بخلاف الاستمتاع وما يفتقر إلى الطهارة .

                                                                                                                                                                        قلت : ومما يزول بانقطاع الحيض ، تحريم العبور في المسجد إذا قلنا بتحريمه في زمن الحيض ، ولنا وجه شاذ في ( الحاوي ) و ( النهاية ) أنه لا يزول تحريمه وليس بشيء . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية