الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 205 ] ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت هذه السنة والخليفة إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بوصية أخيه يزيد الناقص إليه ، ومبايعة الأمراء له بذلك ، وجميع أهل الشام ، إلا أهل حمص فلم يبايعوه ، وقد تقدم أن مروان بن محمد الملقب بالحمار كان نائبا بأذربيجان وإرمينية - وتلك كانت لأبيه من قبله - وكان نقم على يزيد بن الوليد في قتله الوليد بن يزيد ، وأقبل في طلب دم الوليد فلما انتهى إلى حران أناب وبايع يزيد بن الوليد فلم يلبث إلا قليلا حتى بلغه موته ، فأقبل في أهل الجزيرة حتى وصل قنسرين ، فحاصر أهلها ، فنزلوا على طاعته ، ثم أقبل إلى حمص وعليها عبد العزيز بن الحجاج من جهة أمير المؤمنين إبراهيم بن الوليد يحاصرهم حتى يبايعوا لإبراهيم بن الوليد وقد أصروا على عدم مبايعته ، فلما بلغ عبد العزيز قرب مروان بن محمد ترحل عنها ، وقدم مروان إليها ، فبايعوه وساروا معه قاصدين دمشق ، ومعهم جند الجزيرة وجند قنسرين ، فتوجه مروان إلى دمشق في ثمانين ألفا ، وقد بعث إبراهيم بن الوليد سليمان بن هشام بن عبد الملك في مائة وعشرين ألفا ، فالتقى الجيشان عند عين الجر من البقاع ، فدعاهم مروان إلى الكف عن القتال ، وأن يخلوا عن ابني الوليد بن يزيد - وهما الحكم ، وعثمان - اللذين كانا قد أخذ العهد لهما ، وكان يزيد قد سجنهما بدمشق فأبوا عليه ذلك ، فاقتتلوا قتالا شديدا من حين ارتفاع النهار إلى العصر ، وبعث مروان سرية [ ص: 206 ] تأتي جيش سليمان بن هشام من ورائهم ، فتم لهم ما أرادوه ، وأقبلوا من ورائهم يكبرون ، وحمل الآخرون من تلقائهم عليهم ، فكانت الهزيمة في أصحاب سليمان فقتل منهم أهل حمص خلقا كثيرا ، واستبيح عسكرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان مقدار ما قتل من أهل دمشق في ذلك اليوم قريبا من سبعة عشر أو ثمانية عشر ألفا ، وأسر منهم مثلهم ، فأخذ عليهم مروان البيعة للغلامين ابني الوليد الحكم ، وعثمان ، وأطلقهم كلهم سوى رجلين ، وهما يزيد بن العقار ، والوليد بن مصاد الكلبيان ، فضربهما بين يديه بالسياط وحبسهما ، فماتا في السجن ; لأنهما كانا ممن باشر قتل الوليد بن يزيد حين قتل ، وأما سليمان بن هشام وبقية أصحابه فإنهم استمروا منهزمين ، فما أصبح لهم الصبح إلا بدمشق فأخبروا أمير المؤمنين إبراهيم بن الوليد بما وقع ، فاجتمع معهم رءوس الأمراء في ذلك الوقت ، وهم : عبد العزيز بن الحجاج ، ويزيد بن خالد بن عبد الله القسري ، وأبو علاقة السكسكي ، والأصبغ بن ذؤالة الكلبي ونظراؤهم ، على أن يعمدوا إلى قتل ابني الوليد الحكم ، وعثمان خشية أن يليا الخلافة فيهلكا من عاداهما وقتل أباهما ، فبعثوا إليهما يزيد بن خالد بن عبد الله القسري فعمد إلى السجن وفيه الحكم ، وعثمان ابنا الوليد وقد بلغا ، ويقال : وولد لأحدهما ولد . فشدخهما بالعمد ، وقتل يوسف بن عمر وكان مسجونا معهما ، وكان في سجنهما أيضا أبو محمد السفياني فهرب فدخل في بيت داخل السجن ، وجعل وراء الباب ردما ، فحاصروه فامتنع ، فأتوا بنار ليحرقوا الباب ، ثم اشتغلوا عن ذلك بقدوم مروان بن محمد وأصحابه إلى دمشق في طلب المنهزمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية