الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 369 ] ثم دخلت سنة ست وستين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها توفي ركن الدولة أبو علي بن بويه ، وقد جاوز السبعين سنة ، وكانت أيام ولايته نيفا وأربعين سنة ، وقبل موته في السنة الماضية قسم ملكه بين أولاده كما ذكرنا ، وقد عملت ضيافة في دار ابن العميد بأصبهان حافلة ، حضرها ركن الدولة وبنوه وأعيان دولته ، فعهد في هذا اليوم إلى ابنه عضد الدولة ، وخلع عضد الدولة على إخوته وسائر الأمراء الأقبية والأكسية على عادة الديلم ، وحيوه بالريحان على عادتهم أيضا ، وكان يوما مشهودا ، ثم توفي ركن الدولة بعده بقليل في هذه السنة ، وقد كان سائسا حليما وقورا ، كثير الصدقات ، محبا للعلماء ، فيه إيثار وكرم كثير ، وحسن عشرة ورياسة على أقاربه ودولته ورعيته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحين تمكن ابنه عضد الدولة قصد العراق ليأخذها من ابن عمه عز الدولة بختيار لسوء سيرته ورداءة سريرته ، فالتقوا في هذه السنة بأرض الأهواز ، فهزمه عضد الدولة ، وأخذ أثقاله وأمواله ، وبعث إلى البصرة فأخذها ، وأصلح بين أهلها حيي ربيعة ومضر ، وقد كان بينهما خلف متقادم من نحو مائة وعشرين سنة ، وكانت مضر تميل إليه ، وربيعة عليه ، ثم اتفق [ ص: 370 ] الحيان واجتمع عليه الفريقان ، وقويت شوكة عضد الدولة فعزل عز الدولة ، وقبض على وزيره ابن بقية ; لأنه استحوذ على الأمور دونه ، وجبى الأموال إلى خزائنه ، فاستظهر عز الدولة بما وجده من الحواصل لابن بقية ، ولم يبق له منها بقية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك أمر عضد الدولة بالقبض على وزير أبيه أبي الفتح بن العميد لموجدة تقدمت منه إليه ، وقد سلف ذكرها ، ولم يبق لبني العميد أيضا في الأرض بقية ، وقد كانت الأكابر تتقي منهم التقية ، وقد كان ابن العميد من الفسوق والعصيان بأوفر مكان ، فخانته المقادير وعاجله غضب السلطان ، ونعوذ بالله من غضب الرحمن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي منتصف شوال من هذه السنة ، توفي الأمير منصور بن نوح الساماني - صاحب بلاد خراسان - ببخارى ، وكانت ولايته خمس عشرة سنة ، وقام بالأمر بعده ولده أبو القاسم نوح ، وكان عمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة ، ولقب بالمنصور .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 371 ] وفيها توفي الحكم ، ولقبه المستنصر بالله بن الناصر لدين الله عبد الرحمن الأموي ، وقد كان هذا من خيار الملوك وعلمائهم ، عالما بالفقه والخلاف والتواريخ ، محبا للعلماء ، محسنا إليهم وكانت وفاته وله من العمر ثلاث وستون سنة وسبعة أشهر ، مدة خلافته منها خمسة عشر سنة وخمسة أشهر ، وقام بالأمر من بعده ولده هشام وله عشر سنين ، ولقب بالمؤيد بالله ، وقد اختلف عليه في أيامه ، واضطربت الرعايا عليه ، وحبس مدة ، ثم أخرج وأعيد إلى الخلافة ، وقام بأعباء أمره حاجبه المنصور أبو عامر محمد بن أبي عامر المعافري ، وابناه المظفر والناصر ، فساس الرعايا جيدا ، وعدل فيهم ، وغزا الأعداء ، واستقر لهم الحال كذلك نحوا من ست وعشرين سنة . وقد ساق ابن الأثير هاهنا قطعة من أخبارهم وأطال شرحها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها رجع ملك حلب إلى أبي المعالي شريف بن سيف الدولة بن حمدان ، وذلك أنه لما مات أبوه وقام هو من بعده تغلب مولاهم قرعويه عليهم ، وأخرجه منها خائفا يترقب ، فسار إلى أمه بميافارقين في سنة سبع وخمسين ، [ ص: 372 ] ثم جاء فنزل حماة ، وكانت الروم قد خربت حمص فسعى في عمارتها وترميمها وسكنها ، ثم إن قرعويه استناب في حلب مولى له يقال له : بكجور ، فتغلب عليه وسجن مولاه قرعويه بقلعتها نحوا من ست سنين ، فكتب أهل حلب إلى أبي المعالي وهو بحمص يسألونه أن يأتي إليهم ، فسار فحاصر حلب أربعة أشهر ، فافتتحها وامتنعت القلعة عليه ، وقد تحصن بها بكجور ثم اصطلح مع أبي المعالي على أن يؤمنه على نفسه ويستنيبه بحمص ، ففعل ، فناب له بكجور بحمص ، ثم انتقل في وقت إلى نيابة دمشق وإليه تنسب هذه المزرعة ظاهر دمشق من غربها ، التي تعرف بالقصر البكجوري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية