الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              : قوله تعالى : { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } : فيها أربع مسائل : [ ص: 284 ]

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : في ذكر التفث : قال القاضي الإمام : هذه لفظة غريبة عربية لم يجد أهل المعرفة فيها شعرا ، ولا أحاطوا بها خبرا ، وتكلم السلف عليها على خمسة أقوال :

                                                                                                                                                                                                              الأول : قال ابن وهب عن مالك : التفث حلق الشعر ، ولبس الثياب ، وما أتبع ذلك مما يحل به المحرم .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه مناسك الحج ; رواه ابن عمر ، وابن عباس . الثالث : حلق الرأس قاله قتادة . الرابع : رمي الجمار قاله مجاهد . الخامس : إزالة قشف الإحرام ، من تقليم أظفار ، وأخذ شعر ، وغسل ، واستعمال طيب قاله الحسن ، وهو قول مالك الأول .

                                                                                                                                                                                                              فأما قول ابن عباس وابن عمر فلو صح عنهما لكان حجة ، لشرف الصحبة والإحاطة باللغة .

                                                                                                                                                                                                              وأما قول قتادة إنه حلق الرأس فمن قول مالك .

                                                                                                                                                                                                              وأما قول مجاهد إنه رمي الجمار فمن قول ابن عمر وابن عباس ، ثم تتبعت التفث لغة فرأيت أبا عبيدة معمر بن المثنى قد قال : إنه قص الأظفار ، وأخذ الشارب ، وكل ما يحرم على المحرم ، إلا النكاح ، ولم يجيء فيه بشعر يحتج به .

                                                                                                                                                                                                              وقال صاحب العين : التفث هو الرمي ، والحلق ، والتقصير ، والذبح ، وقص الأظفار والشارب ، ونتف الإبط .

                                                                                                                                                                                                              وذكر الزجاج والفراء نحوه ، ولا أراه أخذه إلا من قول العلماء .

                                                                                                                                                                                                              وقال قطرب : تفث الرجل إذا كثر وسخه ، وقال أمية بن أبي الصلت : حفوا رءوسهم لم يحلقوا تفثا ولم يسلوا لهم قملا وصئبانا [ ص: 285 ] وإذا انتهيتم إلى هذا المقام ظهر لكم أن ما ذكر أشار إليه أمية بن أبي الصلت ، وما ذكره قطرب هو الذي قاله مالك ; وهو الصحيح في التفث ، وهذه صورة قضاء التفث لغة .

                                                                                                                                                                                                              وأما حقيقته الشرعية فإذا نحر الحاج أو المعتمر هديه ، وحلق رأسه ، وأزال وسخه ، وتطهر وتنقى ، ولبس الثياب ، فيقضي تفثه وأما وفاء نذره ، وهي :

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية