الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 680 ] ثم دخلت سنة أربع وتسعين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها جمعت الفرنج جموعها وأقبلوا فحاصروا تبنين ، فاستدعى العادل بني أخيه لقتالهم ، فجاءه العزيز من مصر والأفضل من صرخد فأقلعت الفرنج عن الحصن وبلغهم موت ملك الألمان ، فطلبوا من العادل الهدنة والأمان ، فهادنهم ورجعت الملوك إلى أماكنها ، وقد عظم المعظم عيسى بن العادل في هذه المدة واستنابه أبوه على دمشق وسار إلى ملكه بالجزيرة فأحسن فيهم السيرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان قد توفي في هذه السنة السلطان صاحب سنجار وغيرها من المدائن الكبار ، وهو عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي الأتابكي ، كان من خيار الملوك وأحسنهم شكلا وسيرة ، وأجودهم طوية وسريرة ، غير أنه كان يبخل ، وكان شديد المحبة للعلماء ، ولا سيما الحنفية ، وقد ابتنى لهم مدرسة بسنجار ، وشرط لهم طعاما يطبخ لكل واحد منهم في كل يوم ، وهذا نظر حسن ، والفقيه أولى بهذه الحسنة من الفقير ; لاشتغال الفقيه بتكراره ومطالعته عن الفكر فيما يقيته ، فعدا على أولاده ابن عمه صاحب الموصل فأخذ الملك منهم ، فاستغاث [ ص: 681 ] بنوه بالملك العادل ، فرد فيهم الملك ودرأ عنهم الضيم ، واستقرت المملكة لولده قطب الدين محمد ، ثم سار العادل إلى ماردين فحاصرها في شهر رمضان فاستولى على ربضها ومعاملتها ، وأعجزته قلعتها فصاف عليها وشتا ، وما ظن أحد أنه تملكها ; حتى هنته الشعراء بذلك ; لأن ذلك لم يكن مثبوتا ولا مقدرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ملكت الغور مدينة بلخ وكسروا الخطا وقهروهم وهزموهم وتوقعوا بإرسال الخليفة إليهم أن يمنعوا خوارزم شاه من دخول العراق فإنه كان يروم أن يخطب له ببغداد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حاصر خوارزم شاه مدينة بخارا ففتحها بعد مدة ، وقد كانت امتنعت عليه دهرا ونصرهم الخطا فقهرهم جميعا وأخذها عنوة ، وعفا عن أهلها وصفح عنهم ، وقد كانوا ألبسوا كلبا أعور قباء وسموه خوارزم شاه ، ورموه في المنجنيق إلى الخوارزمية ، وقالوا : هذا ملككم . وكان خوارزم شاه أعور ، فلما قدر عليهم عفا عنهم ، جزاه الله خيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية