الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 171 ] ثم دخلت سنة خمس وعشرين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها كانت حروب كثيرة بين جلال الدين والتتار ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كسروه غير مرة ، ثم بعد ذلك كله كسرهم كسرة عظيمة ، وقتل منهم خلقا وأمما لا يحصون كثرة ، وكان هؤلاء التتار قد انفردوا وعصوا على جنكزخان ، فكتب ابن جنكزخان إلى جلال الدين يقول : إن هؤلاء ليسوا منا ونحن أبعدناهم ، ولكن سترى منا ما لا قبل لك به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قدمت طائفة كبيرة من الفرنج من ناحية صقلية ، فنزلوا عكا وصور ، وحملوا على مدينة صيدا ، فانتزعوها من أيدي المسلمين ، وغزوها وقويت شوكتهم ، وجاء الأنبرور ملك جزيرة قبرس ، ثم سار فنزل عكا فخاف المسلمون ، وبالله المستعان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وركب الملك الكامل محمد بن العادل صاحب مصر إلى بيت المقدس فدخله ، ثم سار إلى نابلس ، فخاف الناصر داود بن المعظم من عمه الكامل ، فكتب إلى عمه الأشرف ، فقدم عليه جريدة ، وكتب إلى أخيه الكامل يستعطفه ، ويكفه عن ابن أخيه ، فأجابه الكامل بأني إنما جئت لحفظ بيت [ ص: 172 ] المقدس وصونه عن الفرنج الذين يريدون أخذه ، وحاشى لله أن أحاصر أخي أو ابن أخي ، وبعد أن جئت أنت إلى الشام ، فأنت تحفظها ، وأنا راجع إلى الديار المصرية . فخشي الأشرف وأهل الشام إن رجع الكامل أن تمتد أطماع الفرنج إلى بيت المقدس ، فركب الأشرف إلى أخيه الكامل ، فثبطه عن الرجوع . وأقاما جميعا هنالك ، جزاهما الله خيرا ، يحفظان جناب بيت المقدس عن الفرنج لعنهم الله تعالى ، واجتمع إلى الملك جماعة من ملوكهم ، كأخيه الأشرف وأخيهما الشهاب غازي بن العادل ، وأخيهم الصالح إسماعيل بن العادل ، وصاحب حمص أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن شيركوه ، وغيرهم . واتفقوا كلهم على نزع الناصر داود عن ملك دمشق وتسليمها إلى الأشرف موسى; لأجل حفظ الشام من الفرنج ، وسيأتي تنفيذ ذلك في السنة المستقبلة ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها عزل الصدر البكري عن حسبة دمشق ومشيخة الشيوخ ، وولي فيهما اثنان غيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : وفي أوائل رجب توفي الشيخ الفقيه الصالح أبو الحسن علي بن المراكشي المقيم بالمدرسة المالكية ، ودفن بالمقبرة التي وقفها الرئيس خليل بن زويزان قبلي مقابر الصوفية ، وكان أول من دفن بها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية