الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 321 ] ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها دخل الشيخ نجم الدين الباذرائي رسول الخليفة بين صاحب مصر وصاحب الشام ، وأصلح بين الجيشين ، وكانوا قد اشتدت الحرب بينهم ونشبت ، وقد مالأ الجيش المصري الفرنج ، ووعدهم أن يسلموا إليهم بيت المقدس إن نصروهم على الشاميين ، وجرت خطوب كثيرة ، فأصلح بينهم وخلص جماعة من بيوت الملوك من الديار المصرية ، منهم أولاد الصالح إسماعيل ، وبنت الأشرف وغيرهم من أولاد صاحب حمص وغيرهم ، فجزاه الله خيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها فيما ذكر ابن الساعي كان رجل ببغداد على رأسه زبادي قاشاني ، فزلق فتكسرت ، ووقف يبكي ، فتألم الناس له لفقره وحاجته ، وأنه لم يكن يملك غيرها ، فأعطاه رجل من الحاضرين دينارا ، فلما أخذه نظر فيه طويلا ، ثم قال : والله هذا الدينار أعرفه ، وقد ذهب مني في جملة دنانير عام أول ، فشتمه بعض الحاضرين ، فقال له ذلك الرجل : فما علامة ما قلت؟ قال : زنة هذا وكذا وكذا . وكان معه ثلاثة وعشرون دينارا ، فوزنوه فوجدوه كما ذكر ، فأخرج له الرجل ثلاثة وعشرين دينارا ، وكان قد وجدها ، كما قال ، حين [ ص: 322 ] سقطت منه فتعجب الناس لذلك . قال : ويقرب من هذا أن رجلا بمكة نزع ثيابه ليغتسل من ماء زمزم ، وأخرج من عضده دملجا زنته خمسون مثقالا ، فوضعه مع ثيابه ، فلما فرغ من اغتساله لبس ثيابه ، ونسي الدملج ومضى ، وصار إلى بغداد ، وبقي مدة سنتين بعد ذلك ، وأيس منه ، ولم يبق معه سوى شيء يسير ، فاشترى به زجاجا من القوارير ليبيعها ويتكسب بها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فبينما هو يطوف بها إذ تعس ، فسقطت القوارير ، فتكسرت فوقف يبكي ، واجتمع الناس عليه يتألمون له ، فقال في جملة كلامه : والله يا جماعة لقد ذهب مني من مدة سنتين دملج من ذهب عند بئر زمزم زنته خمسون مثقالا ، ما تألمت لفقده ما تألمت لتكسير هذه القوارير ، وما ذاك إلا لأن هذه كانت جميع ما أملك . فقال له رجل من الجماعة : فأنا والله لقيت ذلك الدملج . وأخرجه من عضده فدفعه إليه ، فتعجب الناس والحاضرون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية