الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          كتاب الأشربة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في شارب الخمر

                                                                                                          1861 حدثنا أبو زكريا يحيى بن درست البصري حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة قال وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعبادة وأبي مالك الأشعري قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر موقوفا فلم يرفعه [ ص: 486 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 486 ] قوله : ( أبواب الأشربة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) جمع شراب وهو ما يشرب من ماء وغيره من المائعات .

                                                                                                          ( باب ما جاء في شارب الخمر ) أي من الوعيد والتهديد .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا يحيى بن درست ) بضم الدال والراء المهملتين وسكون السين المهملة ابن زياد البصري ثقة ، روى عن حماد بن زيد وإسماعيل القناد ، وعنه الترمذي والنسائي ، وابن ماجه وغيرهم ، كذا في التقريب والخلاصة ( كل مسكر خمر ) فيه دليل على أن كل مسكر يسمى خمرا وهو مذهب الجمهور وهو القول المنصور ، وسيأتي الكلام في هذا في باب الحبوب التي يتخذ منها الخمر ( وكل مسكر حرام ) قال النووي : فيه تصريح بتحريم جميع الأنبذة المسكرة وأن كلها تسمى خمرا سواء في ذلك الفضيخ ونبيذ التمر والرطب والبسر والزبيب والشعير والذرة والعسل وغيرها ، هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد والجماهير من السلف والخلف انتهى ( فمات وهو يدمنها ) أي يداوم على شربها بأن لم يتب عنها حتى مات على ذلك . قال في القاموس : أدمن الشيء أدامه ( لم يشربها في الآخرة ) وفي رواية لمسلم : من شرب الخمر في الدنيا فلم يتب منها حرمها في الآخرة . قال النووي : معناه أنه يحرم شربها في الجنة وإن دخلها ، فإنها من فاخر شراب الجنة فيمنعها هذا العاصي بشربها في الدنيا ، قيل إنه ينسى شهوتها لأن الجنة فيها كل ما يشتهى ، وقيل لا يشتهيها وإن [ ص: 487 ] ذكرها ويكون هذا نقص نعيم في حقه تمييزا بينه وبين تارك شربها وفي هذا الحديث دليل على أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر وهو مجمع عليه انتهى . وقال الجزري في النهاية : هذا من باب التعليق في البيان أراد أنه لم يدخل الجنة لأن الخمر من شراب أهل الجنة فإذا لم يشربها في الآخرة لم يكن قد دخل الجنة انتهى . وكذلك قال الخطابي والبغوي والأولى عندي أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : " لم يشربها في الآخرة " على ظاهره ، ففي إحدى روايات البيهقي : من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة . روى أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمرو رفعه : " من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة " . وفي حديث أبي سعيد مرفوعا : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو ، أخرجه الطيالسي وصححه ابن حبان . قال ابن العربي : ظاهر الحديثين أنه لا يشرب الخمر في الجنة ولا يلبس الحرير فيها ، وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته . كالوارث فإنه إذا قتل مورثه فإنه يحرم ميراثه لاستعجاله ، وبهذا قال نفر من الصحابة ومن العلماء انتهى . وقال القرطبي : ظاهر الحديث تأييد التحريم ، فإن دخل الجنة شرب من جميع أشربتها إلا الخمر ومع ذلك فلا يتألم لعدم شربها ولا يحسد من يشربها ويكون حاله كحال أصحاب المنازل في الخفض والرفعة ، فكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه لا يشتهيها أيضا وليس ذلك بعقوبة له انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعبادة وأبي مالك الأشعري وابن عباس ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، وعنه في الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب . وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم . وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والطبراني عنه وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة ، ومن مات من أمتي وهو يتحلى الذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة . قال المنذري : رواة أحمد ثقات . وأما حديث عبادة فأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وبأكلهم الربا ولبسهم الحرير . وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رءوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض [ ص: 488 ] ويجعل الله منهم القردة والخنازير . وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد عن ابن المنكدر قال : حدثت عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن قال المنذري رواه أحمد هكذا ورجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن . وفي الباب أحاديث أخرى عن عدة من الصحابة غير الذين ذكرهم الترمذي إن شئت الوقوف عليها فارجع إلى الترغيب والترهيب للمنذري .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية