الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .

كتاب العتق .

والنظر في هذا الكتاب فيمن يصح عتقه ومن لا يصح ، ومن يلزمه ومن لا يلزمه ( أعني : بالشرع ) ، وفي ألفاظ العتق ، وفي الإيمان به ، وفي أحكامه وفي الشروط الواقعة فيه . ونحن فإنما نذكر من هذه الأبواب ما فيها من المسائل المشهورة التي يتعلق أكثرها بالمسموع .

[ ص: 693 ] [ من الذي يصح عتقه ]

فأما من يصح عتقه ، فإنهم أجمعوا على أنه يصح عتق المالك التام الملك الصحيح الرشيد القوي الجسم الغني غير العديم . واختلفوا في عتق من أحاط الدين بماله وفي عتق المريض وحكمه .

فأما من أحاط الدين بماله ، فإن العلماء اختلفوا في جواز عتقه ، فقال أكثر أهل المدينة : مالك وغيره : لا يجوز ذلك ، وبه قال الأوزاعي والليث ، وقال فقهاء العراق : وذلك جائز حتى يحجر عليه الحاكم ، وذلك عند من يرى التحجير منهم ، وقد يتخرج عن مالك في ذلك الجواز قياسا على ما روي عنه في الرهن أنه يجوز ، وإن أحاط الدين بمال الراهن ما لم يحجر عليه الحاكم .

وعمدة من منع عتقه أن ماله في تلك الحال مستحق للغرماء ، فليس له أن يخرج منه شيئا بغير عوض ، وهي العلة التي بها يحجر الحاكم عليه التصرف والأحكام يجب أن توجد مع وجود عللها ، وتحجير الحاكم ليس بعلة وإنما هو حكم واجب من موجبات العلة فلا اعتبار بوقوعه .

وعمدة الفريق الثاني أنه قد انعقد بالإجماع على أن له أن يطأ جاريته ويحبلها ولا يرد شيئا مما أنفقه من ماله على نفسه وعياله حتى يضرب الحاكم على يديه فوجب أن يكون حكم تصرفاته هذا الحكم ، وهذا هو قول الشافعي .

ولا خلاف عند الجميع أنه لا يجوز أن يعتق غير المحتلم ما لم تكن وصية منه ، وكذلك المحجور ، ولا يجوز عند العلماء عتقه لشيء من مماليكه إلا مالكا وأكثر أصحابه ، فإنهم أجازوا عتقه لأم ولده .

وأما المريض ، فالجمهور على أن عتقه إن صح وقع وإن مات كان من الثلث ، وقال أهل الظاهر : هو مثل عتق الصحيح .

وعمدة الجمهور حديث عمران بن الحصين أن رجلا أعتق ستة أعبد له ، الحديث على ما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية