الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو بكر

                                                                                      عبد الله بن سليمان بن الأشعث : الإمام العلامة الحافظ ، شيخ بغداد [ ص: 222 ] أبو بكر السجستاني ، صاحب التصانيف .

                                                                                      ولد بسجستان في سنة ثلاثين ومائتين .

                                                                                      وسافر به أبوه وهو صبي ، فكان يقول : رأيت جنازة إسحاق ابن راهويه .

                                                                                      قلت : وكانت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين في شعبان ، فأول شيخ سمع منه : محمد بن أسلم الطوسي ، وسر أبوه بذلك لجلالة محمد بن أسلم .

                                                                                      روى عن : أبيه ، وعمه ، وعيسى بن حماد زغبة ، وأحمد بن صالح ، ومحمد بن يحيى الزماني ، وأبي الطاهر بن السرح ، وعلي بن خشرم ، ومحمد بن بشار ، ونصر بن علي ، وعمرو بن عثمان الحمصي ، وكثير بن عبيد ، وموسى بن عامر المري ، ومحمود بن خالد ، ومحمد بن سلمة المرادي ، وهارون بن إسحاق ، ومحمد بن معمر البحراني ، وأبي سعيد الأشج ، وهارون بن سعيد الأيلي ، ومحمد بن مصفى ، وإسحاق الكوسج ، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب ، وعمرو بن علي الفلاس ، وهشام بن خالد الدمشقي ، والحسن بن محمد الزعفراني ، وزياد بن أيوب ، والحسن بن عرفة ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، وإسحاق بن إبراهيم شاذان ، ويوسف بن موسى القطان ، وعباد بن يعقوب الرواجني وخلق كثير بخراسان [ ص: 223 ] والحجاز والعراق ، ومصر والشام ، وأصبهان وفارس .

                                                                                      وكان من بحور العلم ، بحيث إن بعضهم فضله على أبيه .

                                                                                      صنف " السنن " و " المصاحف " و " شريعة المقارئ " ، و " الناسخ والمنسوخ " ، و " البعث " وأشياء .

                                                                                      حدث عنه خلق كثير ، منهم : ابن حبان ، وأبو أحمد الحاكم ، وأبو عمر بن حيويه ، وابن المظفر ، وأبو حفص بن شاهين ، وأبو الحسن الدارقطني ، وعيسى بن علي الوزير ، وابن المقرئ ، وأبو القاسم بن حبابة ، وأبو طاهر المخلص ، ومحمد بن عمر بن زنبور الوراق ، وأبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب ، وآخرون .

                                                                                      وكان يقول : دخلت الكوفة ومعي درهم واحد ، فأخذت به ثلاثين مد باقلا فكنت آكل منه ، وأكتب عن أبي سعيد الأشج ، فما فرغ الباقلا حتى كتبت عنه ثلاثين ألف حديث ، ما بين مقطوع ومرسل .

                                                                                      قال أبو بكر بن شاذان : قدم أبو بكر ابن أبي داود سجستان ، فسألوه أن يحدثهم ، فقال : ما معي أصل . فقالوا : ابن أبي داود وأصل ! ؟ قال : فأثاروني ، فأمليت عليهم من حفظي ثلاثين ألف حديث ، فلما قدمت بغداد ، قال البغداديون : مضى إلى سجستان ولعب بهم ، ثم فيجوا فيجا اكتروه بستة دنانير إلى سجستان ، ليكتب لهم النسخة ، فكتبت ، وجيء بها ، [ ص: 224 ] وعرضت على الحفاظ فخطئوني في ستة أحاديث ، منها ثلاثة أحاديث حدثت بها كما حدثت ، وثلاثة أخطأت فيها .

                                                                                      هكذا رواها أبو القاسم الأزهري ، عن ابن شاذان . ورواها غيره ، فذكر أن ذلك كان بأصبهان . وكذا روى أبو علي النيسابوري الحافظ ، عن ابن أبي داود . فالأزهري واهم .

                                                                                      قال الحاكم أبو عبد الله : سمعت أبا علي الحافظ ، سمعت ابن أبي داود يقول : حدثت من حفظي بأصبهان بستة وثلاثين ألفا ، ألزموني الوهم فيها في سبعة أحاديث ، فلما انصرفت ، وجدت في كتابي خمسة منها على ما كنت حدثتهم به .

                                                                                      قال الحافظ أبو محمد الخلال : كان ابن أبي داود إمام أهل العراق ، ومن نصب له السلطان المنبر ، وقد كان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه ، ولم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ هو .

                                                                                      أبو ذر الهروي : أنبأنا أبو حفص بن شاهين ، قال : أملى علينا ابن أبي داود سنين ، وما رأيت بيده كتابا ، إنما كان يملي حفظا ، فكان يقعد على [ ص: 225 ] المنبر بعدما عمي ، ويقعد دونه بدرجة ابنه أبو معمر -بيده كتاب- فيقول له : حديث كذا ، فيسرده من حفظه ، حتى يأتي على المجلس .

                                                                                      قرأ علينا يوما حديث " الفتون " من حفظه ، فقام أبو تمام الزينبي ، وقال : لله درك ! ما رأيت مثلك إلا أن يكون إبراهيم الحربي . فقال : كل ما كان يحفظ إبراهيم ، فأنا أحفظه ، وأنا أعرف النجوم ، وما كان هو يعرفها .

                                                                                      أنبأنا المسلم بن محمد وغيره : سمعوا أبا اليمن الكندي ، أنبأنا أبو منصور الشيباني ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، قال : عبد الله بن أبي داود رحل به أبوه من سجستان ، يطوف به شرقا وغربا بخراسان والجبال وأصبهان وفارس والبصرة وبغداد والكوفة ومكة والمدينة والشام ومصر والجزيرة والثغور ، يسمع ويكتب . واستوطن بغداد ، وصنف " المسند " و " السنن " ، و " التفسير " ، و " القراءات " ، " والناسخ والمنسوخ " ، وغير ذلك . وكان فقيها ، عالما حافظا .

                                                                                      قلت : وكان رئيسا عزيز النفس ، مدلا بنفسه . سامحه الله . [ ص: 226 ]

                                                                                      قال أبو حفص بن شاهين : أراد الوزير علي بن عيسى أن يصلح بين ابن أبي داود ، وابن صاعد ، فجمعهما ، وحضر أبو عمر القاضي ، فقال الوزير : يا أبا بكر ! أبو محمد أكبر منك ، فلو قمت إليه ، فقال : لا أفعل ، فقال الوزير : أنت شيخ زيف ، فقال : الشيخ الزيف : الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الوزير : من الكذاب ؟ قال : هذا . ثم قام ، وقال : تتوهم أني أذل لك لأجل رزقي ، وأنه يصل إلي على يدك ؟ ! والله لا آخذ من يدك شيئا . قال : فكان الخليفة المقتدر يزن رزقه بيده ، ويبعث به في طبق على يد الخادم .

                                                                                      قال أبو أحمد الحاكم : سمعت أبا بكر يقول : قلت لأبي زرعة الرازي : ألق علي حديثا غريبا من حديث مالك ، فألقى علي حديث وهب بن كيسان ، عن أسماء حديث : لا تحصي فيحصى عليك رواه عن عبد الرحمن بن شيبة ، وهو ضعيف . فقلت له : يجب أن تكتبه عني ، عن أحمد بن صالح ، عن عبد الله بن نافع ، عن مالك . فغضب أبو زرعة ، وشكاني إلى أبي ، وقال انظر ما يقول لي أبو بكر .

                                                                                      ويروى بإسناد منقطع : أن أحمد بن صالح كان يمنع المرد من حضور مجلسه ، فأحب أبو داود أن يسمع ابنه منه ، فشد على وجهه لحية ، وحضر ، فعرف الشيخ ، فقال : أمثلي يعمل معه هذا ؟ ! فقال أبو داود : لا [ ص: 227 ] ينكر علي سوى جمع ابني مع الكبار ، فإن لم يقاومهم بالمعرفة ، فاحرمه السماع .

                                                                                      حدث بها أبو القاسم بن السمرقندي ، حدثنا يوسف بن الحسن بن محمد التفكري الزنجاني قال سمعت الحسن بن علي بن بندار الزنجاني ، قال كان أحمد بن صالح يمنع المرد من التحديث تنزها . . . فذكرها ، وزاد : فاجتمع طائفة ، فغلبهم الابن بفهمه ، ولم يرو له أحمد بعدها شيئا ، وحصل له الجزء الأول ، فأنا أرويه .

                                                                                      قلت : بل أكثر عنه .

                                                                                      قال أبو عبد الرحمن السلمي : سألت الدارقطني عن ابن أبي داود ، فقال : ثقة ، كثير الخطأ في الكلام على الحديث .

                                                                                      وقد ذكره أبو أحمد بن عدي في " كامله " ، وقال : لولا أنا شرطنا أن [ ص: 228 ] كل من تكلم فيه ذكرناه لما ذكرت ابن أبي داود . قال : وقد تكلم فيه أبوه ، وإبراهيم بن أورمة ، وينسب في الابتداء إلى شيء من النصب . ونفاه ابن الفرات من بغداد إلى واسط ، ثم رده الوزير علي بن عيسى ، فحدث ، وأظهر فضائل علي -رضي الله عنه- ثم تحنبل فصار شيخا فيهم ، وهو مقبول عند أصحاب الحديث . وأما كلام أبيه فيه ، فلا أدري أيش تبين له منه ؟ وسمعت عبدان يقول : سمعت أبا داود يقول : من البلاء أن عبد الله يطلب القضاء .

                                                                                      ابن عدي : أنبأنا علي بن عبد الله الداهري ، سمعت أحمد بن محمد بن عمرو كركرة ، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد ، سمعت أبا داود يقول : ابني عبد الله كذاب .

                                                                                      قال ابن صاعد : كفانا ما قال فيه أبوه .

                                                                                      ابن عدي : سمعت موسى بن القاسم الأشيب يقول : حدثني أبو بكر ، سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول : أبو بكر ابن أبي داود كذاب .

                                                                                      ابن عدي : سمعت أبا القاسم البغوي ، وقد كتب إليه أبو بكر ابن أبي داود رقعة ، يسأله عن لفظ حديث لجده ، فلما قرأ رقعته ، قال : أنت عندي والله منسلخ من العلم . [ ص: 229 ]

                                                                                      قال : وسمعت محمد بن الضحاك بن عمرو بن أبي عاصم يقول : أشهد على محمد بن يحيى بن منده بين يدي الله -تعالى- أنه قال : أشهد على أبي بكر ابن أبي داود بين يدي الله أنه قال : روى الزهري ، عن عروة ، قال : حفيت أظافير فلان ، من كثرة ما كان يتسلق على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                      قلت : هذا باطل وإفك مبين ، وأين إسناده إلى الزهري ؟ ثم هو مرسل ، ثم لا يسمع قول العدو في عدوه ، وما أعتقد أن هذا صدر من عروة أصلا ، وابن أبي داود إن كان حكى هذا ، فهو خفيف الرأس ، فلقد بقي بينه وبين ضرب العنق شبر ، لكونه تفوه بمثل هذا البهتان ، فقام معه ، وشد منه رئيس أصبهان محمد بن عبد الله بن حفص الهمداني الذكواني ، وخلصه من أبي ليلى أمير أصبهان ، وكان انتدب له بعض العلوية خصما ، ونسب إلى أبي بكر المقالة ، وأقام عليه الشهادة محمد بن يحيى بن منده الحافظ ، ومحمد بن العباس الأخرم ، وأحمد بن علي بن الجارود ، واشتد الخطب ، وأمر أبو ليلى بقتله ، فوثب الذكواني ، وجرح الشهود مع جلالتهم ، فنسب ابن منده إلى العقوق ، ونسب أحمد إلى أنه يأكل الربا ، وتكلم في الآخر ، وكان الهمداني الذكواني كبير الشأن ، فقام ، وأخذ بيد أبي بكر ، وخرج به من الموت ، فكان أبو بكر يدعو له طول حياته ، ويدعو على أولئك الشهود .

                                                                                      حكاها أبو نعيم الحافظ ، ثم قال : فاستجيب له فيهم ، منهم من احترق ، ومنهم من خلط وفقد عقله .

                                                                                      قال أحمد بن يوسف الأزرق : سمعت أبا بكر ابن أبي داود يقول : كل الناس مني في حل ، إلا من رماني ببغض علي -رضي الله عنه - . [ ص: 230 ]

                                                                                      قال الحافظ بن عدي : كان في الابتداء ينسب إلى شيء من النصب فنفاه ابن الفرات من بغداد إلى واسط ، فرده ابن عيسى ، فحدث ، وأظهر فضائل علي ثم تحنبل ، فصار شيخا فيهم .

                                                                                      قلت : كان شهما ، قوي النفس ، وقع بينه وبين ابن جرير ، وبين ابن صاعد ، وبين الوزير ابن عيسى الذي قربه .

                                                                                      قال محمد بن عبد الله القطان : كنت عند ابن جرير ، فقيل : ابن أبي داود يقرأ على الناس فضائل الإمام علي . فقال ابن جرير : تكبيرة من حارس .

                                                                                      قلت : لا يسمع هذا من ابن جرير للعداوة الواقعة بين الشيخين .

                                                                                      قال أبو بكر الخطيب : سمعت الحافظ أبا محمد الخلال يقول : كان أبو بكر أحفظ من أبيه أبي داود .

                                                                                      وروى الإمام أبو بكر النقاش المفسر -وليس بمعتمد- أنه سمع أبا بكر ابن أبي داود يقول : إن في تفسيره مائة ألف وعشرين ألف حديث .

                                                                                      قال صالح بن أحمد الهمذاني الحافظ : كان ابن أبي داود إمام العراق ونصب له السلطان المنبر ، وكان في وقته ببغداد مشايخ أسند منه ، ولم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ . [ ص: 231 ]

                                                                                      قلت : لعل قول أبيه فيه -إن صح- أراد الكذب في لهجته ، لا في الحديث ، فإنه حجة فيما ينقله ، أو كان يكذب ويوري في كلامه ، ومن زعم أنه لا يكذب أبدا ، فهو أرعن ، نسأل الله السلامة من عثرة الشباب ، ثم إنه شاخ وارعوى ، ولزم الصدق والتقى .

                                                                                      قال محمد بن عبد الله بن الشخير : كان ابن أبي داود زاهدا ناسكا صلى عليه يوم مات نحو من ثلاثمائة ألف إنسان ، وأكثر .

                                                                                      قال : ومات في ذي الحجة ، سنة ست عشرة وثلاثمائة وخلف ثلاثة بنين : عبد الأعلى ، ومحمدا ، وأبا معمر عبيد الله ، وخمس بنات ، وعاش سبعا وثمانين سنة ، وصلي عليه ثمانين مرة . نقل هذا أبو بكر الخطيب .

                                                                                      قال المحدث يوسف بن الحسن التفكري : سمعت الحسن بن علي بن بندار الزنجاني قال : كان أحمد بن صالح يمتنع على المرد من التحديث تورعا ، وكان أبو داود يسمع منه ، وكان له ابن أمرد ، فاحتال بأن شد على وجهه قطعة من شعر ، ثم أحضره ، وسمع ، فأخبر الشيخ بذلك ، فقال : أمثلي يعمل معه هذا ؟ قال أبو داود : لا تنكر علي ، واجمع ابني مع شيوخ الرواة ، فإن لم يقاومهم بمعرفته فاحرمه السماع .

                                                                                      إسنادها منقطع .

                                                                                      قال أبو أحمد بن عدي : سمعت علي بن عبد الله الداهري يقول : [ ص: 232 ] سألت ابن أبي داود عن حديث الطير فقال : إن صح حديث الطير فنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- باطل ، لأنه حكى عن حاجب النبي -صلى الله عليه وسلم- خيانة -يعني أنسا - وحاجب النبي لا يكون خائنا .

                                                                                      قلت : هذه عبارة رديئة ، وكلام نحس ، بل نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- حق قطعي ، إن صح خبر الطير ، وإن لم يصح ، وما وجه الارتباط ؟ هذا أنس قد خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يحتلم ، وقبل جريان القلم ، فيجوز أن تكون قصة الطائر في تلك المدة . فرضنا أنه كان محتلما ، ما هو بمعصوم من الخيانة ، بل فعل هذه الجناية الخفيفة متأولا ، ثم إنه حبس عليا عن الدخول كما قيل ، فكان ماذا ؟ والدعوة النبوية قد نفذت واستجيبت ، فلو حبسه ، أو رده مرات ، ما بقي يتصور أن يدخل ويأكل مع المصطفى سواه إلا ، اللهم إلا أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قصد بقوله : إيتني بأحب خلقك إليك ، يأكل معي عددا من الخيار ، يصدق على مجموعهم أنهم أحب الناس إلى الله ، كما يصح [ ص: 233 ] قولنا : أحب الخلق إلى الله الصالحون . فيقال : فمن أحبهم إلى الله ؟ فنقول : الصديقون والأنبياء . فيقال : فمن أحب الأنبياء كلهم إلى الله ؟ فنقول : محمد وإبراهيم وموسى ، والخطب في ذلك يسير . وأبو لبابة -مع جلالته- بدت منه خيانة ، حيث أشار لبني قريظة إلى حلقه وتاب الله عليه . وحاطب بدت منه خيانة ، فكاتب قريشا بأمر تخفى به نبي الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوهم وغفر الله لحاطب مع عظم فعله -رضي الله عنه- . وحديث الطير -على ضعفه- فله طرق جمة ، وقد أفردتها في جزء ، ولم يثبت ، ولا أنا بالمعتقد بطلانه ، وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله ، وله على خطئه أجر واحد ، وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ ولا يغلط ولا يسهو . والرجل فمن كبار علماء الإسلام ، ومن أوثق الحفاظ -رحمه الله تعالى .

                                                                                      قال ابنه عبد الأعلى : توفي أبي وله ست وثمانون سنة وأشهر .

                                                                                      أنشدنا أبو العباس أحمد بن عبد الحميد قال : أنشدنا الإمام أبو محمد بن قدامة سنة ثمان عشرة وستمائة ، أخبرتنا فاطمة بنت علي الوقاياتي أخبرنا علي بن بيان ، أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري حدثنا أبو حفص بن شاهين ، أنشدنا أبو بكر ابن أبي داود لنفسه :

                                                                                      تمسك بحبل الله واتبع الهدى ولا تك بدعيا لعلك تفلح [ ص: 234 ]     ودن بكتاب الله والسنن التي
                                                                                      أتت عن رسول الله تنجو وتربح     وقل : غير مخلوق كلام مليكنا ،
                                                                                      بذلك دان الأتقياء وأفصحوا     ولا تك في القرآن بالوقف قائلا
                                                                                      كما قال أتباع لجهم وأسجحوا     ولا تقل : القرآن خلق قرأته
                                                                                      فإن كلام الله باللفظ يوضح     وقل : يتجلى الله للخلق جهرة
                                                                                      كما البدر لا يخفى وربك أوضح     وليس بمولود وليس بوالد
                                                                                      وليس له شبه ، تعالى المسبح     وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا
                                                                                      بمصداق ما قلنا حديث مصرح     رواه جرير عن مقال محمد
                                                                                      فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح     وقد ينكر الجهمي أيضا يمينه
                                                                                      وكلتا يديه بالفواضل تنفح     وقل : ينزل الجبار في كل ليلة
                                                                                      بلا كيف -جل الواحد المتمدح     إلى طبق الدنيا يمن بفضله
                                                                                      فتفرج أبواب السماء وتفتح     يقول : ألا مستغفر يلق غافرا
                                                                                      ومستمنح خيرا ورزقا فيمنح      [ ص: 235 ] روى ذاك قوم لا يرد حديثهم
                                                                                      ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا     وقل : إن خير الناس بعد محمد
                                                                                      وزيراه قدما ، ثم عثمان الارجح     ورابعهم خير البرية بعدهم
                                                                                      علي حليف الخير بالخير منجح     وإنهم للرهط لا ريب فيهم
                                                                                      على نجب الفردوس بالنور تسرح     سعيد وسعد وابن عوف وطلحة
                                                                                      وعامر فهر والزبير الممدح     وقل خير قول في الصحابة كلهم
                                                                                      ولا تك طعانا تعيب وتجرح     فقد نطق الوحي المبين بفضلهم
                                                                                      وفي الفتح أي للصحابة تمدح     وبالقدر المقدور أيقن فإنه
                                                                                      دعامة عقد الدين والدين أفيح     ولا تنكرن -جهلا- نكيرا ومنكرا
                                                                                      ولا الحوض والميزان ، إنك تنصح     وقل : يخرج الله العظيم بفضله
                                                                                      من النار أجسادا من الفحم تطرح     على النهر في الفردوس تحيا بمائه
                                                                                      كحب حميل السيل إذ جاء يطفح     وإن رسول الله للخلق شافع
                                                                                      وقل في عذاب القبر حق موضح     ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا
                                                                                      فكلهم يعصي ، وذو العرش يصفح      [ ص: 236 ] ولا تعتقد أي الخوارج إنه
                                                                                      مقال لمن يهواه يردي ويفضح     ولا تك مرجيا لعوبا بدينه
                                                                                      ألا إنما المرجي بالدين يمزح     وقل : إنما الإيمان قول ونية
                                                                                      وفعل على قول النبي مصرح     وينقص طورا بالمعاصي وتارة
                                                                                      بطاعته ينمى وفي الوزن يرجح     ودع عنك آراء الرجال وقولهم
                                                                                      فقول رسول الله أولى وأشرح     ولا تك من قوم تلهو بدينهم
                                                                                      فتطعن في أهل الحديث وتقدح     إذا ما اعتقدت الدهر ، يا صاح ، هذه
                                                                                      فأنت على خير تبيت وتصبح

                                                                                      أخبرنا أبو المعالي أحمد بن المؤيد بمصر ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا هبة الله بن الحسين ، أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور البزاز ، حدثنا عيسى بن علي ، حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث إملاء ، سنة أربع عشرة وثلاثمائة ، حدثنا محمد بن سليمان لوين ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن أبي وجزة ، عن عمر بن أبي سلمة ، قال : قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يا بني ! ادن ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك ، واذكر اسم الله -عز وجل .

                                                                                      أخرجه أبو داود عن لوين ، فوافقناه بعلو .

                                                                                      [ ص: 237 ] أخبرنا أحمد بن عبد الحميد وأحمد بن محمد الحافظ ، وسنقر الثغري وأحمد بن مكتوم ، وعبد المنعم بن عساكر وعلي بن محمد الفقيه وطائفة ، قالوا : أخبرنا عبد الله بن عمر ، أخبرنا سعيد بن أحمد بن البناء حضورا ، ( ح ) : وأخبرنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا أكمل بن أبي الأزهر العلوي ، أخبرنا ابن البناء ، أخبرنا محمد بن محمد الزينبي ، أخبرنا محمد بن عمر بن خلف ، حدثنا أبو بكر ابن أبي داود ، حدثنا عبد الله بن سعيد ، حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات القزاز ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ما في الجنة من شجرة إلا وساقها من ذهب .

                                                                                      أخرجه الترمذي عن عبد الله ، وهو أبو سعيد الأشج ، فوافقناه بعلو .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية