الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      محمد بن عجلان ( خت ، م ، 4 )

                                                                                      الإمام القدوة ، الصادق بقية الأعلام أبو عبد الله القرشي ، المدني . وكان عجلان مولى لفاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف . ولد في خلافة عبد الملك بن مروان .

                                                                                      وحدث عن أبيه ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعمرو بن شعيب ، وأبي حازم سلمان الأشجعي . وهو أقدم شيخ له ، ورجاء بن حيوة ، ونافع ، ومحمد [ ص: 318 ] بن كعب القرظي ، والنعمان بن أبي عياش الزرقي ، وأبي الحباب سعيد بن يسار ، وصيفي مولى أبي أيوب الأنصاري ، وعامر بن عبد الله بن الزبير ، وعبيد الله بن مقسم ، وعون بن عبد الله بن عتبة ، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين ، والقعقاع بن حكيم ، ومحمد بن قيس بن مخرمة ، وعبد الله بن دينار ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وزيد بن أسلم ، وهشام بن عروة ، وخلق كثير . وقيل : إنه روى عن أنس بن مالك ، وذلك ممكن إن صح .

                                                                                      حدث عنه : إبراهيم بن أبي عبلة ، ومنصور بن المعتمر ، وهو أكبر منه ، وشعبة ، وسفيان ، وزيد بن أبي أنيسة ومات قبله بدهر ، وعبد الوهاب بن بخت كذلك ، وصالح بن كيسان ، والليث بن سعد ، ومالك بن أنس ، وابن المبارك ، وأبو خالد الأحمر ، وبكر بن مضر ، وخالد بن الحارث ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن رجاء المكي ، ويحيى بن سعيد القطان ، وصفوان بن عيسى ، وأبو عاصم ، وأسباط بن محمد ، وابن إدريس ، وخلق كثير .

                                                                                      وكان فقيها مفتيا ، عابدا صدوقا ، كبير الشأن . له حلقة كبيرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد خرج على المنصور مع ابن حسن ، فلما قتل ابن حسن ، هم والي المدينة جعفر بن سليمان أن يجلده . فقالوا له : أصلحك الله : لو رأيت الحسن البصري فعل مثل هذا أكنت تضربه ؟ قال : لا . قيل : فابن عجلان في أهل المدينة كالحسن في أهل البصرة ، وقيل : إنه هم بقطع يده حتى كلموه ، وازدحم على بابه الناس . قال : فعفا عنه .

                                                                                      روى عباس بن نصر البغدادي ، عن صفوان بن عيسى قال : مكث ابن عجلان في بطن أمه ثلاث سنين ، فشق بطنها ، فأخرج منه وقد نبتت أسنانه . رواها عبد العزيز بن أحمد الغافقي عن عباس .

                                                                                      وقال يعقوب بن شيبة ، حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء ، حدثنا الوليد بن [ ص: 319 ] مسلم قال : قلت لمالك : إني حدثت عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : لا تحمل المرأة فوق سنتين قدر ظل مغزل ، فقال : من يقول هذا ؟ هذه امرأة ابن عجلان جارتنا امرأة صدق ، ولدت ثلاث أولاد في ثنتي عشرة سنة . تحمل أربع سنين قبل أن تلد .

                                                                                      قال سعيد بن داود الزنبري أخبرني محمد بن محمد بن عجلان قال : أنا ولدت في أربع سنين في حياة أبي .

                                                                                      وقال الواقدي : سمعت عبد الله بن محمد بن عجلان يقول : حمل بأبي أكثر من ثلاث سنين .

                                                                                      قال الواقدي : وسمعت مالكا يقول : قد يكون الحمل سنتين وأكثر . أعرف من حمل به كذلك ، يعني نفسه .

                                                                                      روى أبو حاتم الرازي ، عن رجل ، عن ابن المبارك قال : لم يكن بالمدينة أحد أشبه بأهل العلم من ابن عجلان كنت أشبهه بالياقوتة بين العلماء ، رحمه الله .

                                                                                      قال مصعب الزبيري : كان لابن عجلان قدر وفضل بالمدينة ، وكان ممن خرج مع محمد بن عبد الله ، فأراد جعفر بن سليمان قطع يده ، فسمع ضجة ، وكان عنده الأكابر . فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذه ضجة أهل المدينة يدعون لابن عجلان . فلو عفوت عنه ؟ وإنما غر ، وأخطأ في الرواية ظن أنه المهدي ، فأطلقه وعفا عنه .

                                                                                      أبو بكر بن خلاد ، سمعت يحيى بن سعيد يقول : كان ابن عجلان مضطرب الحديث في حديث نافع .

                                                                                      وقال الفلاس : سألت يحيى عن حديث ابن عجلان ، عن المقبري ، عن [ ص: 320 ] أبي هريرة في القتل في سبيل الله ، فأبى أن يحدثني . فقلت له : قد خالفه يحيى بن سعيد الأنصاري فقال : عن المقبري ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه . فقال : أأحدث به ؟ ! كأنه تعجب .

                                                                                      قلت : وثق ابن عجلان أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وحدث عنه شعبة ، ومالك ، وهو حسن الحديث . وأقوى من ابن إسحاق . ولكن ما هو في قوة عبيد الله بن عمرو ونحوه .

                                                                                      قال أبو عبد الله الحاكم : أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثا كلها في الشواهد ، وتكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه .

                                                                                      عباس الدوري ، عن يحيى بن معين قال : ابن عجلان أوثق من محمد بن عمرو ، ما يشك في هذا أحد ، وممن وثقه ابن عيينة ، وأبو حاتم الرازي ، مع تعنته في نقد الرجال .

                                                                                      وقال ابن القاسم : قيل لمالك : إن ناسا من أهل العلم يحدثون -يعني- بحديث خلق آدم على صورته . فقال : من هم ؟ قيل : ابن عجلان . قال : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ، ولم يكن عالما . قلت : لم ينفرد به محمد . والحديث : في الصحيحين . وقال البخاري : قال لي علي ، عن [ ص: 321 ] ابن أبي الوزير ، عن مالك ، أنه ذكر ابن عجلان فذكر خيرا .

                                                                                      قال أبو محمد الرامهرمزي ، حدثنا عبد الله ، حدثنا القاسم بن نصر ، سمعت خلف بن سالم ، حدثني يحيى القطان قال : قدمت الكوفة وبها ابن عجلان ، وبها ممن يطلب حفص بن غياث ، ومليح بن وكيع وابن إدريس : فقلت : نأتي ابن عجلان . فقال يوسف السمتي : نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه . قال : ففعلوا . فما كان عن أبيه جعلوه عن أبي هريرة نفسه ، وما كان للمقبري عن أبي هريرة جعلوه عن أبيه عن أبي هريرة . فدخلوا فسألوه فمر فيها ، فلما كان عند آخر الكتاب ، تنبه ، فقال : أعد . فعرض عليه ، فقال : ما سألتموني عن أبي ، فقد حدثني سعيد وما سألتموني عن سعيد ، فقد حدثني أبي به . ثم أقبل على يوسف بن خالد ، فقال : إن كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الإسلام . وأقبل على حفص ، فقال : ابتلاك الله في دينك ودنياك . وأقبل على الآخر فقال : لا نفعك الله بعلمك .

                                                                                      قال يحيى القطان : فمات مليح بن وكيع وما انتفع بعلمه ، وابتلي حفص بالفالج وبالقضاء ، ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة . فهذه الحكاية فيها نظر . وما أعرف عبد الله هذا ، ومليح لا يدرى من هو ، ولم يكن لوكيع بن الجراح ولد يطلب أيام ابن عجلان ، ثم لم يكن ظهر لهم قلب الأسانيد على الشيوخ . إنما فعل هذا بعد المائتين . وقد روي حديث لابن عجلان ، عن [ ص: 322 ] أنس بن مالك ، ويحتمل أن يكون شافهه .

                                                                                      قالوا : ومات ابن عجلان سنة ثمان وأربعين ومائة وقد أورد البخاري في كتاب " الضعفاء " له في محمد بن عجلان ، قول يحيى القطان في محمد ، وأنه لم يتقن أحاديث المقبري عن أبيه ، وأحاديث المقبري عن أبي هريرة ، يعني أنه ربما اختلط عليه هذا بهذا .

                                                                                      وقد ذكرت ابن عجلان في " الميزان " فحديثه إن لم يبلغ رتبة الصحيح ، فلا ينحط عن رتبة الحسن . والله أعلم .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن فرح الحافظ ، وخلق قالوا : أنبأنا أحمد بن عبد الدائم ، أنبأنا عبد المنعم بن كليب ، وأنبأني أحمد بن سلامة والخضر بن حمويه ، عن ابن كليب ، أنبأنا علي بن بيان ، أنبأنا محمد بن مخلد ، أنبأنا إسماعيل الصفار ، حدثنا ابن عرفة ، حدثنا بشر بن المفضل ، عن محمد بن عجلان ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ، فإن في أحد جناحيه داء ، والآخر شفاء . وإنه يتقي بالجناح الذي فيه الداء فليغمسه كله ، ثم لينزعه هذا حديث حسن الإسناد عال ، أخرجه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل ، عن بشر ، فوقع بدلا عاليا .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية