الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحرقوا أنفسكم أو لا تحرقوها

أحرقوا أنفسكم أو لا تحرقوها

أحرقوا أنفسكم أو لا تحرقوها

أسلمة أوربا، وتحول النصرانية إلى أقلية في قلب قارتها الأم أصبح هاجساً يقلق كثيراً من قادة الغرب الدينيين والعلمانيين على حد سواء، ولذلك تناسى الفريقان عداءهما التاريخي، ليشعلا حرباً صليبية جديدة على الإسلام والمسلمين.

وفي الحروب قد يقدم المحارب على ما فيه حتف نفسه بقصد أو بغير قصد، وقد أقدم بابا الفاتيكان على نوع من الانتحار الفكري حينما ألقى محاضرته المشئومة عليه - بإذن الله-، وذلك أنه ألقاها بصفته أستاذاً جامعياً من جهة، وبصفته بابا الفاتيكان من جهة أخرى، ولقد أعماه حقده الأعمى على الإسلام عن تدبر كلامه قبل إلقائه فانتحر فكرياً فخسر بكلامه المتناقض المضطرب، وباستعارته لشطر مناظرة وتركه الشطر الآخر، سمعة الأستاذ الجامعي الذي يجب أن يعرض كلامه في ثوب عقلاني، حتى وإن كانت دوافعه عاطفية محضة.

خسارة أفدح
وأما خسارته كبابا للفاتيكان فقد كانت أفدح، فهو بإقدامه على ترديد أكاذيب حول الإسلام كان الفاتيكان يرددها قديماً قبل انتشار وسائل الاتصالات، فكان الفاتيكان يوجه كلامه إلى الأوربيين فقط، وهو في مأمن من افتضاح كذبه، ولكن في عصر ثورة الاتصالات اضطر الفاتيكان إلى التراجع حتى أصدر الفاتيكان وثيقة عام 1970تعترف بكذب الفاتيكان على الإسلام طوال الفترة السابقة، وتعترف بأن الإسلام أحد أديان التوحيد شريعته من أفضل الشرائع، والصواب أن الإسلام هو دين التوحيد، وما عداه من جملة أديان الشرك، كما لا يخفى، ورجوع بندكت وهو يجلس على كرسي البابوية إلى هذه الأكاذيب مرة ثانية يعرض سمعة الفاتيكان كله إلى فضيحة جديدة كانوا في غنى عنها، ليتفرغوا لغيرها من الفضائح الأخلاقية والمالية.
كما أن اضطرار بندكت للاعتذار بعد ذلك يعرض فكرة عصمة البابا، والذي أسس دينهم عليها إلى كثير من الاضطراب.

وخلاصة الأمر أن بندكت انتحر بصفته أستاذاً جامعياً، وانتحر بصفته بابا الفاتيكان، وجاءته الثالثة من عند الله حيث اتضح أنه طوال فترة عمله كقس عادي - ليس بابا- كان دوره هو التستر على الجرائم الأخلاقية لأقرانه كما نشرت إذاعة الـ bbc تقريراً حول هذا.

انتحار حقيقي
وفي المقابل لم يشأ البروتستانت أن يتركوا الحلبة للكاثوليك لكي يقوموا وحدهم بالحرب على الإسلام وأهله، ولو كان ذلك عن طريق الانتحار، فأقدم أحد القساوسة البروتستانت في ألمانيا على الانتحار، ولكن كان في هذه المرة انتحاراً حقيقياً كما تناقلته الصحف الألمانية، ونقله عنهم موقع "العربية نت" وجريدة الأهرام القاهرية، من أن قسا قد أقدم على حرق نفسه في ساحة أحد الأديرة الشهيرة، والتي كان مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي يحاضر فيه، وأنه نقل إلى المستشفى ولم تفلح محاولات إنقاذه، وكان قبل انتحاره قد ترك رسالة أنه فعل ما فعل من أجل تنبيه الكنيسة لكي تتخذ إجراءات أكثر جدية في مواجهة ما أسماه بـ "أسلمة أوربا".

تحريض بكل وسيلة
وإذا كانت تصريحات بابا الفاتيكان قد وصفت بأنها تحريضية، فإن دافع التحريض في حركة ذلك القس في غاية الوضوح، حتى إن جريدة الأهرام قد ربطت بين هذا الانتحار وبين العثور على جثث جميع أفراد أسرة مسلمة في بريطانيا مقتولين بطريقة مريبة.

وكأن هذا الرجل يريد أن يقول للكنيسة: "نعم أعرف أنكم ما تركتم وسيلة إلا أخذتم بها، حرب عسكرية وسياسية، واقتصادية وإعلامية، ومطاردة للدعاة، بل لعوام المسلمين في كل مكان، ولكن ما بالكم قد غفلتم عن هذه الوسيلة الناجعة "التحريض"؟"

وغالب الظن أن هذا القس كان يؤمل أن ينقذه الناس، ليتحول إلى قديس جديد عند قومه، إلا أنه يبدو أن نار الدنيا تبادلهم غيظهم على الإسلام بغيظ أشد منه عليهم، كما هو حال نار الآخرة {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}(الفرقان:12).

حال متشابه
إن هذا الرجل قد نسف كل جهود بابا الفاتيكان الذي حاول أن يستر خوفه من الإسلام بستار من أكاذيب أنه مخالف للعقل وأنه انتشر بحد السيف. فهل يملك الإسلام اليوم سيفاً؟! هل يملك إعلاماً كإعلامكم؟! هل يملك قنوات وفضائيات كفضائياتكم؟! هل يملك أقلاماً كأقلامكم؟! كيف دخل عليكم أوربا إلى الدرجة التي أصابتكم بالفزع والهلع، ودعاته مضطهدون في بلادهم فضلاً عن بلادكم؟!

إن حال الغرب اليوم كحال مشركي مكة بالأمس، ظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما كان رجلاً واحداً فإنه يكفي في حربه أن يكلف بأمره بضعة رجال وبضعة صبية يطوفون حوله، ليقولوا للناس: هذا شاعر، هذا مجنون، فإذا بهذه الدعاية هي التي يجعلها الله عوناً لنبيه - صلى الله عليه وسلم-، وهو بعد رجل واحد في نقل الدعوة إلى القبائل المختلفة، فأيده الله بنصر من عنده، وكانت بعض أسبابه بأيدي المشركين أنفسهم، ثم أيده بصحابته الكرام الذين حملوا هذه الدعوة معه ومن بعده.

فيا رجال الصليبية أحرقوا أنفسكم أو لا تحرقوها، انشروا أكاذيبكم أو اكتموها، فالإسلام قادم قادم، وأسلمة أوربا والدنيا بأسرها لن يوقفها تصريحات حمقاء ولا حرائق عمياء كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم-: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا لدين)،.

وإن كنا نحن المسلمين لم نر بعد الأسباب التي تجعلكم تعتبرون هذا الأمر بهذه الدرجة من القرب، ولكنه مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم-: (نصرت بالرعب مسيرة شهر)، وأي رعب أشد من أن يقتل الرجل نفسه؟!! والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد المنعم الشحات

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة