الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وهم كبير.. اسمه: الحب الأول

وهم كبير.. اسمه: الحب الأول

وهم كبير.. اسمه: الحب الأول

يعتقد البعض أن الحب الأول هو ظاهرة من ظواهر مرحلة المراهقة التي غالبـًا ما تتسم قراراتها بالانفعالية والحكم على الأشياء بظاهرها، وهو أيضـًا ما أجمع عليه الكثيرون ممن خاضوا تجربته من أنه لم يكن أكثر من وهم يحمل معه – في الغالب – كل عوامل الفشل منذ بدايته، ورغم ذلك تتكرر التجربة ملايين المرات مع ملايين الشباب رغم علم أغلبهم أن الحب الأول في حياة الملايين السابقين لم يكن سوى تجربة فاشلة خلفت وراءها جرحـًا ما اختزنته الذاكرة في ملف التجارب الأكثر إيلامـًا في حياة الإنسان..

ورغم العلم بأن مثل هذه العلاقات في معظمها ـ إن لم تكن كلها ـ محرمة شرعا إلا أننا يجب أن ننظر إليها على أنها أمر واقع وبلاء يحتاج إلى علاج، ولا بد عند العلاج من سماع وجهات نظر أصحاب المشكلة ثم نستمع إلى أهل العلم وأصحاب الرأي لنعلم كيفية العلاج.

نظرة الشباب

ترى كيف ينظر الشباب إلى الحب الأول؟

يقول "كامل" (24) سنة، جامعي: تقابلنا وتعارفنا وتسللت المشاعر الدافئة إلى قلوبنا فحركت عواطفنا وملأت كل فراغ، وأصبح الزواج حلمنا الذي نسعى لتحقيقه، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فسبقني لخطبتها شاب تم قبوله بكل ترحاب لثرائه وخلقه، ومنذ ذلك اليوم أصبحت وكأنني طيف عابر مر في حياتها، ولم يترك حتى ذكرى، فقد استبدلت حبيبـًا آخر بي دون أسف أو ندم، لذلك أصبحت أفقد الثقة في أي فتاة؛ بل أصبحت أفقد الثقة فيما يسمى بـ "الحب الأول".

ويقول "ماجد الراشد" (23) سنة: بالرغم من أن علاقتنا لم يقدر لها الاستمرار؛ لأن الفتاة التي أحببتها قد ارتضت غيري زوجـًا لها بحجة أنني وهي في سن واحدة والآخر يكبرها، إلا أن هذه الفتاة مازالت تعيش بداخلي، ولا أستطيع التفكير في غيرها؛ بل أحجب عيني عن رؤية من حولي من الفتيات، لذلك أتمنى اليوم الذي أشفى فيه منها، حتى أستطيع أن أمارس حياتي مثل أي شاب، وأنصح الشباب بأن يتجنب إقامة أية علاقات مع الفتيات ماداموا غير مؤهلين للزواج.

أما "عبد الحميد" (22) سنة، فيحكي قصة مختلفًا ونوعـًا مختلفـًا من الحب الذي ظل صامتـًا طوال ثلاث سنوات دون أن يعترف لها بهذا الحب، وكانت النظرات هي اللغة الوحيدة للتعبير عن المشاعر، ويقول: بالرغم من أن هذا الحال قد طال أجله، إلا أنني كنت دائمـًا على يقين بأن هذه العلاقة سيقدر لها الموت قبل الميلاد، والنهاية قبل البداية؛ لأنني مازلت طالبـًا وأمامي الطريق طويل حتى أبلغ ما أتمناه في حياتي العلمية والعملية، ولا شك أنها لا تستطيع انتظاري، ومن ثم فكرت في إنهاء هذه العلاقة، ويبدو أن هذا الخاطر قد راودها كما راودني، ومن ثم انتهينا في صمت كما بدأنا في صمت.

ويقول "سامي" (21) سنة: أحببتها عن بعد وحاولت كثيرًا التقرب إليها، ولكنني دائمـًا كنت أجد منها الصد والتمنع، وكان هذا الأمر يزيدني تعلقـًا وشغفـًا بها، ولكن بمرور الأيام أحسست بحبها لي ونشأت بيننا علاقة تمنيتها كثيرًا، ولكني في حقيقة الأمر أحسست بأن رصيد حبي لها لم يعد كما كان، وأصبحت زاهدًا في هذه العلاقة بعد أن كنت أتمناها، ولست أدري ما أسباب ذلك، علمـًا بأنني لا أحترم أي شاب ينظر للحب على أنه مجرد تسلية، ولكن يبدو أن ما عايشناه لم يكن حبـًا كما ظننا.

عقبات:

ويقول "عاصم" (22) سنة: جمعني القدر لأول مرة بفتاة تتمنى أن تكون زوجة لي، كما أصبحت أنا أيضـًا حلمـًا لها، ولكن وقف الأهل حجر عثرة في طريق تحقيق هذا الحلم، حيث لم يرتضوها زوجة لي، وزعموا أن هناك من هي أكثر منها جمالاً وخلقـًا، ولم يدركوا أن هذه الفتاة قد امتلكت ما لم تمتلكه غيرها وهي مشاعري وسعادتي، وأصبحت منذ ذلك الوقت واقعـًا أمام اختيارين كليهما مر، وهما إما أن أترك حبيبتي لأرضي أهلي، وإما أن أغضبهم وأتزوج منها، لذلك أعترف بأن هناك عيبـًا في الحب الأول إن لم يكن في المحبين، فهو فيمن يفسدون عليهم هذا الحب.

أما " راضي" فيتحدث عن الحب الأول من خلال تجارب الآخرين حيث يقول: نعم لم أخض تجربة عاطفية خاصة حتى الآن، ولكنني قد عشت تجارب الآخرين، والتي كان يقدر لها دائمـًا أن يموت فيها الحب قبل أن يكلل بالزواج، وذلك لأحد سببين، إما لعدم صدق المشاعر، حيث يكتشف أحد الطرفين (فجأة) أن ما حدث لم يكن حبـًا، وإنه فقط مجرد إعجاب، وإما أن يكون هذا الحب حقيقيـًا، ولكن تعترضه عواقب جمة، لذلك أتمنى أن أخوض هذه التجربة وأنا على ثقة من مشاعري وعلى ثقة بأنني قادر على إكمال مسيرتي مع من أحب.

وهم كبيــر

ولكن كيف يرى الكبار هذه التجربة؟ وكيف ينظرون إليها بعد أن مروا بها مع أنفسهم أو من خلال متابعتهم لغيرهم؟

يرى "حسني" (38) سنة أن ما يسمى بالحب الأول يمضي ولا يترك سوى الذكرى، ويقول: كنت أظن أن الحب دائمـًا لا يكون إلا للحبيب الأول، ولكن من خلال تجربتي في الحياة أدركت خطأ هذا الظن، فبعدما انتهت قصتي مع الفتاة الأولى في حياتي بالفشل، أصبحت أحلامي كلها باهتة، ولم يعد لي هدف أو طموح أسعى إليه، ولكن سرعان ما عدت لصوابي وأدركت أن الحياة لابد أن تستمر حتى لو رحل الحبيب، وبالفعل جمعني القدر بإنسان أخرى، خالط حبي لها الاحترام والتقدير وتزوجنا، وقد شفى الزواج جراح الحب الأول، ولم يعد له في حياتي سوى الذكرى.

أما "أسامة" (32) سنة، فيحسم الأمر من الوهلة الأولى ويرى أن الحب الأول وهم كبير، ويقول: عندما كنت طالبـًا في الجامعة تحركت مشاعري تجاه زميلة لي، وتوهمت أنها الحب الأول والأخير في حياتي، فكم تمنيت الحديث معها أو مجرد الجلوس بجوارها، وعندما وجدتها تتبادل أطراف الحديث مع أحد زملائي اشتد لهيب الغيرة بداخلي وانتابتني حالة من الضيق لا شفاء منها، ولكن سرعان ما انطفأت نيران هذه العاطفة عندما نضجت المشاعر، وتمكن العقل من مشاركة القلب في الاختيار.

آراء الخبراء والمختصين

انتقلنا إلى عدد من المختصين والخبراء نتعرف من خلال تجربتهم الشخصية وتخصصهم على رؤيتهم لـما يسمى "الحب الأول"..

يقول "د.أحمد المجدوب" المستشار الاجتماعي بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة: إن الظروف الاجتماعية والثقافية السائدة من انتشار الأفلام الرومانسية والأغاني العاطفية وشغف الشباب بها، قد جعل ما يسمى بالحب رغبة ملحة لديهم، لذلك نجد كثيرًا منهم يندفع في إشباع هذه الرغبة "بطرق غير مشروعة ولا مدروسة" بمعنى أن يسعى الشاب إلى خوض تجربة عاطفية دون أن يتأكد من صدق مشاعره، ودون أن يفكر إلى ما ستنتهي إليه هذه العاطفة، ومن ثم يكون مصيرها الفشل دائمـًا.

ولأن الحب الأول دائمـًا يبدأ في مرحلة المراهقة، والمشاعر حينها لا تزال في طور النمو، فإنه غالبـًا ما يكلل بالفشل؛ لأن المراهق يخوض التجربة بناء على خبرات ساذجة اكتسبها بطريقة سطحية، وبالرغم من فشل تجربة الحب الأول، إلا أنها تظل أكثر تعلقـًا بالذهن مهما تعددت التجارب فيما بعد، وذلك لأنها أول تجربة يمر بها الإنسان منتقلاً بها من الطفولة إلى الشباب.

ويضيف "د.المجدوب" أن هذه التجربة ربما تترك ذكرى ممتعة لعدم شعور الفرد بالمسؤولية الكاملة تجاهها، وربما تترك ذكرى مؤلمة تشكل عقبة في الحياة العاطفية فيما بعد.

ومن هنا يأتي دور الآباء، فلابد من خلق صداقة بينهم وبين الأبناء، وذلك من خلال أن يستعيد الآباء المراحل العمرية التي يمر بها الأبناء حتى تقترب المسافات فيما بينهم، ويتمكنوا من توجيه أبنائهم إلى السلوك الرشيد، لأنهم أدركوا من خلال تجاربهم الماضية أن الحب عاطفة لابد أن تكون دائمـا مرتبطة بالعقل، ولا يوجد ما يسمى بالحب من أجل الحب؛ لأن لكل شيء في الحياة هدفـًا؛ وأسمى أهداف الحب هو الزواج، كما يجب أن يدرك الشباب ممن تعرض لمثل هذا أنها تجربة، فإن فشلت فلابد من الاستفادة منها وليس فقط الرثاء عليها، فالإنسان بإرادته القوية يستطيع أن يصوغ حياته ويعيش ولو بعد فشل هذه التجربة.

الخيال العاطفي

وترى د. "أمينة كاظم" أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس أن تجربة الحب الأول غالبـًا ما تكون معرضة للفشل؛ لأنها تبدأ في سن مبكرة وهي سن المراهقة، وهذه المرحلة تتسم بالرومانسية المفرطة والرغبة في إثبات الذات، وبالتالي نجد الشخص يندفع في مشاعره ويحاول إسقاط أحلامه على شخص يعتقد فيه الكمال، وغالبـًا ما يكون المظهر هو المقياس الأول في اختيار الحبيب، لذلك نجد كثيرًا من الشباب يعيشون قصص حب وهمية، وهي في الحقيقة لا تتعدى أن تكون حالة من الانبهار والإعجاب، كما أن هناك أمرًا مهمـًا في فشل الحب الأول وهو أنه غالبـًا ما يوجد عدم تكافؤ بين الشخصين من الناحية الاجتماعية والثقافية؛ لأن الخيال العاطفي يلعب دورًا كبيرًا في أول تجربة، حيث يخيل لكليهما أن الحب أقوى من أي فروق، ولكن سرعان ما تفصح الأيام عن حقيقة هذه المشاعر الوهمية؛ لأنه بمرور الوقت والانتقال إلى مرحلة الرشد تهدأ حدة الانفعالات، ويصبح الشاب في حالة من الاتزان الوجداني تمكنه من التفكير بعقلانية أكثر في أمور حياته سواء العاطفية أو غيرها، لذلك لابد أن يتروى الشباب في الحكم على مشاعرهم ويدركوا أن الحب مسؤولية كبيرة من أهم سماتها الصدق في المشاعر والأمانة مع الطرف الآخر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: مجلة "الفتيان".

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة