الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تركيا بعيون إسرائيلية..." من الحليف الاستراتيجي " إلى محور الشر

تركيا بعيون إسرائيلية..." من الحليف الاستراتيجي " إلى محور الشر

تركيا بعيون إسرائيلية..." من الحليف الاستراتيجي " إلى محور الشر

قليلة هي الطرق السالكة بين أنقرة وتل أبيب ، فالعلاقات بين "الحليفتين الاستراتيجيتين" تزداد تدهورا وتراجعا ، ويوما إثر آخر ، تتسع الفجوة بينهما وتزداد "خطورة".

إسرائيل خرجت عن طورها ، وتخطت ما كانت تسميه "ضبط النفس" ، وأخذ سياسيوها ومحللوها ، يكيلون الاتهامات لتركيا ، لا سيما الاتهام بأنها تنتقل تدريجيا إلى "محور الشر" ، في إشارة إلى إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس ، وبلغت الغطرسة ببعض الكتاب الإسرائيليين حد التنبوء بعودة تركيا إلى عصر "الرجل المريض" لا لشيء إلا لأنها أخذت تغادر مربع التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل ، لكأن العلاقة مع الدولة العبرية هي المصدر الوحيد للصحة والعافية اللتين تمتعت بهما تركيا في العقد الأخير خصوصا.

والحقيقة أن ثمة أسبابا عميقة ، فعلت فعلها على ضفتي المعادلة التركية - الإسرائيلية ، وجعلت عودة عقارب الساعة للوراء أمرا متعذرا ، فتركيا التي ترفض أن تسمى سياساتها الخارجية الجديدة والتي تحمل اسم "مبدأ أحمد داود أوغلو" بـ"العثمانية الجديدة" ، قررت تصفير خلافاتها مع دول الجوار ، وتنمية علاقاتها الاقتصادية والتجارية معها ، ورفع كافة الحواجز والعوائق التي تحول دون تمتع بالحريات الأربع مع هذه الدول: حرية تنقل السلع والأفراد والرساميل والخدمات ، وتركيا تريد أن تكون عقدة اتصالات ومقصد سياحة وبؤرة إشعاع فني وثقافي ودرامي ، ومحطة ترانزيت وتوزيع للنفط والغاز المتدفق إلى أوروبا من قزوين والأسود وإيران والخليج والعراق.

أما على المستوى السياسي فإن أنقرة تسعى إلى لعب أدوار في مختلف ملفات المنطقة وأزماتها المفتوحة ، من فلسطين إلى العراق مرورا بمفاوضات السلام والمصالحة الفلسطينية وحصار غزة وسلام سوريا وإسرائيل وعلاقات دمشق ببغداد ، وصولا إلى أفريقيا والصومال والقرن الأفريقي وصعدة واليمن ، عطفا على القوقاز وآسيا الوسطى والبلقان.

كل ذلك ، من دون أن تسقط أنقرة رغبتها في الانضمام للاتحاد الأوروبي ، وسعيها الجاد لتلبية معايير العضوية وشروط كوبنهاجن ، فتركيا المنفتحة على خصوم الأمس وحلفائه ، لن تغادر مسرحا أو تفرط بفرصة لتعظيم دورها وتنمية مصالحها ، فما بالك حين يتصل الأمر بعضوية الاتحاد الأوروبي التي ستمنح تركيا وزنا مماثلا لأوزان بريطانيا وفرنسا وألمانيا في تقرير سياسة الاتحاد وتوجهاته إن هي انضمت إليه ، بفعل وزنها الديموغرافي الهائل.

أمام كل هذه التوجهات والأولويات ، تحتل إسرائيل مكانة متضائلة في سلم الأولويات التي تشغل الأجندة التركية ، ولم يعد إرضاء تل أبيب سوى واحد من معايير عدة وضوابط كثيرة ، وليس أهمها ، تأخذها السياسة الخارجية بنظر الاعتبار وهي ترسم خطواتها وتنسج خيوطها.

ومع دخول الرأي العام كلاعب مهم في عملية صنع القرار التركي ، ومع تنامي المشاعر المناهضة لإسرائيل في أوساطه والمتضامنة مع الفلسطينيين والعرب ، تجد حكومة أنقرة نفسها مرغمة كما قال رئيسها ، على التعبير عن "نبض شعبها" وتطلعاته ، فتركيا اليوم تعيش تجربة ديمقراطية حقيقية ، وتقدم أنموذجا في الحكم المستند إلى "مرجعية إسلامية عامة" لم تبلغها بعد أي حركة إسلامية في العالم العربي ، وتركيا اليوم لم تعد ساحة لاستعراض عضلات المؤسسة العسكرية أو لاختبار دورها في تشكيل الحكومة واختيار الرئاسات. ...

مقابل ذلك ، بدت إسرائيل في السنوات الأخيرة في أبشع صورها ، فهي موضع غضب وسخط الرأي العام الدولي ومنظماته الحقوقية ، وحروبها القذرة على لبنان وقطاع غزة وما تخللهما من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، جعلت منها موضع غضب وسخط الرأي العام والقيادة التركية سواء بسواء ، وهذا ما أوجب الافتراق وأحدث التدهور في العلاقات الثنائية.

ليس متوقعا أن تنحدر العلاقات بين أنقرة وتل أبيب إلى مستوى القطيعة الكاملة أو التأزم الحقيقي ، فليس لتركيا أو إسرائيل مصلحة في ذلك ، لكن عهد العلاقات الخاصة والمتميزة بينهما ولّى إلى غير رجعة ، ومن المنتظر أن تلعب تركيا دورا ملهما على صعد عدة في العالم العربي ، بل وهي مرشحة للاضطلاع بأدوار قيادية بعد أن أنكفأت أدوار العواصم العربية الكبرى ، أو بعضها على الأقل.

ـــــــــــ

صحيفة الدستور

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة