الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بـنـاء الأسـواق

بـنـاء الأسـواق

بـنـاء الأسـواق

تنوعت المنشآت التجارية بالمدن الإسلامية ومنها الأسواق، والقياسر، وهي: منشأة ضمت عددا من الحوانيت، وهي مشابهة للسوق، وكانت كل قيسارية مستقلة بذاتها ،تصطف الحوانيت بداخلها، ولها أبواب تخصص لها حراسة دائمة ، وكانت تشبه إلى حد كبير المراكز التجارية اليوم.
ومع هذه القياسر كان ثمت الوكالات وهي: مكان معد لاستقبال التجار ، الذين يقومون بأعمال الوكالة عن التجار الكبار المشهورين في الأمصار .
وكانت الوكالات تتكون من فناء تحيط به أروقة، وغرف لتخزين البضائع، تعلوها غرف إقامة التجار، وكان يلحق بالوكالة مسجد يخدم من ريع الوكالة.

وقد نالت الأسواق وآدابها اهتمام الفقهاء المسلمين، لما يحدث فيها بصفة دورية من احتكاك بين مختلف طوائف المجتمع، وانعكس هذا الاهتمام بصفة خاصة في كتب الحسبة؛ والتي نستطيع من خلالها أن نتعرف على التركيب العام لأسواق المدن الإسلامية؛ وعلى توزيعها داخل المدينة .
ووفقا لما في هذه الكتب من معلومات ثرية - تعكس خبرة المسلمين في هذا المجال - نجد أن هناك قواعد قامت عليها هذه الأسواق، منها قاعدة : " لا ضرر ولا ضرار" وقواعد أخرى تتعلق بمسائل العمران والنماء.

وبناء الأسواق عند فقهاء المسلمين مستحب، ومندوب ،وهو عمل يثاب ويؤجر صاحبه ؛ لحاجة الناس إليه، ولما له من فوائد مجتمعية.
وقد اقتضت الحكمة أن يكون للناس مكان عام معروف يقصده البائع والمشتري لمختلف أنواع السلع، مما ييسر على الناس أمورهم ومعاشهم، ويقود إلى تعاونهم على مصالحهم.
ويلاحظ أن أماكن الأسواق في المدن الإسلامية ،اختير بعناية وحددت وفق حاجات الناس ومصالحهم، فأسواق الحاجات اليومية تكون وسط المدن ، ثم تتفرع الأسواق فتكون أسواق الحرف المشابهة متقاربة ، وأسواق الصنائع الخطرة والحرف الكبيرة على أطراف المدن، وكان يلحق بكل حي سكني ، سوق يلبي حاجته، مع مراعاة خصوصية المساكن ، واحترامها عند تحديد أماكن الأسواق.

وكانت المحتسب يشترط شروطا عند إنشاء الأسواق ، تحفظ سلامة هواء المدينة ، وطرقها ، وكان أحيانا عندما يصل العمران إلى السوق ينتقل السوق إلى مكان أبعد .
وقد صنفت التجارات في أسواق المدن الإسلامية تصنيفا تجاريا يعتمد على التخصيص، وبينت كتب الحسبة ذلك، حيث يخصص لأصحاب كل حرفة جانبا من السوق، مما يضمن للمشتري الوصول لحاجته بيسر وسهولة.

وفي ضوء التخصص الذي قامت عليه الأسواق واختصاص كل سوق بسلعة معينة، ظهر مفهوم التجاور في السلع المتشابهة ، أو السلع التي يكمل بعضها بعضا ،وقام هذا المفهوم بالمجانسة بين السلع، وفي هذا يذكر الإمام عبد الرحمن بن نصر الشيزري (ت590هـ) في كتابه الشهير (نهاية الرتبة في طلب الحسبة) حيث يقول:" ومن كانت صناعته تحتاج إلى وقود نار كالخباز والطباخ والحداد، فالمستحب أن تبعد حوانيتهم من العطارين والبزازين؛ لعدم المجانسة بينهم ، وحصول الضرر".

وفي بعض الأسواق القديمة في مصر مثلا نجد تجار الثياب والكتان والجوخ إلى جانب الخياطين والحريرين.
وعلى العموم فقد ارتبط التنظيم العمراني للأسواق بالاهتمام الشديد بالآداب العامة ، كمنع الباعة من ممازحة النساء في الحوانيت ،إلزام الرجال بشراء حاجاتهن في بعض الأحيان؛ وإلزام الباعة بالأمانة عند عرض بضائعهم، إلزامهم السعر المعقول في البيع والشراء.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة