الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كتاب: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير

كتاب: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير

كتاب: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير

يُعد كتاب (الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير) من أهم الكتب المعاصرة التي صُنفت في موضوع الإسرائيليات وأشهرها، ألَّفَه الأستاذ محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة أحد أساتذة التفسير وعلوم الحديث في الأزهر الشريف، وقد لقي هذا الكتاب ذيوعاً وانتشاراً واسعاً في ظل حالة الرفض العام للإسرائيليات فترة تأليفه وما بعدها، فكان -ولا يزال- عمدة للباحثين في الإسرائيليات، ونشأت عبره العديد من الرؤى والأفكار تجاه هذا الموضوع.

وهذه المقالة تلقي الضوء على هذا الكتاب من خلال عرض محتوياته، ثم تقويمه منهجيًّا، وذِكر أبرز مزاياه، والمآخذ عليه.

ولا شك في أنّ الكتاب يعدُّ مرجعاً مهمًّا جدًّا لكل باحث في الإسرائيليات؛ لِمَا حفل به من تنظير وتطبيق خاص بها، ولأنه يُعَدّ خلاصة للفكر الناقد للإسرائيليات في التفسير، فقد استفاد مؤلفه مما قاله سابقوه تنظيراً وتطبيقاً، وبنى على ذلك كتابه، فلا غرو كان الكتاب من أهم الكتب في هذا الباب.

وينخرط الكتاب بشكل واضح وبإعلام مؤلفه منذ البدء في رفض الإسرائيليات وبيان زيفها وبطلانها وضرورة البُعد عنها وتجنبها عند تفسير كلام الله تعالى، وبالتالي فكل ما ناقشه المؤلف في كتابه من مواطن تفسيرية فيها مرويات إسرائيلية فإنما ناقشها في هذا السياق: بيان بطلانها ومخالفتها لصحيح العقل والنقل، إعذاراً منه وتحذيراً، وهذه هي غاية الكتاب وهدف مؤلفه الرئيس.

ولتحقيق هذه الغاية اتخذ المؤلف المنهج النقدي منهجاً رئيساً في معالجة الموضوع ومعالجة المواطن التفسيرية التي ورَدَ فيها إسرائيليات، كما حرص على حشد كلّ ما أمكنه حشده من أوجه النقد ومقولات العلماء السابقين في ردِّ الإسرائيليات وبيان بطلانها وبطلان التفسير المبني عليها في كل المواطن التي أوردها.

محتويات الكتاب

استهلّ المؤلف كتابه بمقدمة أبان فيها عن سبب تأليفه الكتاب، وما أحاط بذلك من ظروف وملابسات، وأبان فيها كذلك عن خطورة الإسرائيليات وما جَنَتْهُ على الإسلام وأهله وتفسير القرآن من جنايات؛ إذ أظهرت الإسلام بمظهر الدّين الذي يشتمل على الخرافات والتُّرَّهات، وكَشَفَ عن الاتجاهات المختلفة تجاه هذه المرويات والكتب التي حوتها؛ فمن داعٍ إلى تحريق هذه الكتب، ومن داعٍ إلى جمعها وإخفائها عن الناس، ومن داعٍ إلى بيان هذه الإسرائيليات والتنصيص عليها وبيان بطلانها، وهو الخط الذي انخرط فيه المؤلف ودعا إليه ويندرج فيه كتابه هذا، ثم ختم هذه المقدمة ببيان معالم منهجه في معالجة هذا الموضوع.

وبعيداً عن المقدمة وما حوته، فقد تناول المؤلف موضوع كتابه في قسمين رئيسين:

القسم الأول: نظري: استعرض فيه المؤلف معنى التفسير والتأويل ومعنى الإسرائيليات، والمراد بالموضوعات، والمنهج الذي يجب أن يُتَّبع في تفسير القرآن، والتفسير بالمأثور، وأقسامه، والتفسير بالرأي والاجتهاد، المقبول منه والمردود، ومدارس التفسير، ودخول الوضع والإسرائيليات في التفسير بالمأثور، وأسباب ذلك، وما وُجِّه إلى هذا النوع من التفسير من نقد، والآثار السيئة التي خلَّفَتْها هذه الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير وغيرها.

ثم عرض المؤلف لما قام به حفَّاظ الحديث وأئمة النقد والجرح والتعديل من جهد مشكور في التنبيه على الموضوعات والإسرائيليات في كتب التفسير، ثم عرَض لأشهر كتب التفسير بالمأثور، مبيناً بإيجاز قيمة كلّ كتاب من جهة الرواية، ولأشهر كتب التفسير بالرأي المقبول، من حيث اشتمالها على الموضوعات والإسرائيليات قلَّة أو كثرة.

القسم الثاني: تطبيقي: وهو مقصود الكتاب الأَصلي، عرَض فيه المؤلف لقرابة أربعين موطناً من القرآن الكريم ذُكر فيها مرويات إسرائيلية، وقام في كل موطن من هذه المواطن ببيان بطلان المرويات الإسرائيلية وما فيها من منكرات لا تتفق مع صحيح النقل والعقل، وخطأ التفسير المبني عليها، وكان منهجه في تناول هذا المنحى كالتالي:

* يُعَنون لكل موطن بعنوان يستهله غالباً بـ (الإسرائيليات في...) ويُعيِّن الموطن: (هَمّ يوسف، قصص الأنبياء...إلخ).

* يَعرض لما جاء بشأن الموطن القرآني أو الآية من مرويات إسرائيلية، وينقل المرويات بنصها أحيانًا، ويُجملها اختصاراً أحيانا ًأخرى.

* يبيِّن ما حوَتْه المرويات من منكرات ومخالفات، وينقل أقوال العلماء الذين ردُّوها.

* يبيِّن التفسير الصحيح للقرآن في بعض هذه المواطن.

ومن أمثلة المواطن التي ناقشها المؤلف: الإسرائيليات في قصة هاروت وماروت، الإسرائيليات في بناء الكعبة: البيت الحرام والحجر الأسود، الإسرائيليات في قصة التابوت، الإسرائيليات في عِظَم خَلْق الجبارين وخرافة عوج بن عوق، الإسرائيليات في ألواح التوراة، إسرائيلية مكذوبة في سبب غضب موسى لمـَّا ألقى الألواح، الإسرائيليات في سفينة نوح، الإسرائيليات في قصة يوسف عليه السلام.

وبعد أن فرغ المؤلف من عرض هذه المواطن ومناقشتها، انتقل إلى نقاش الموضوعات في كتب التفسير، فاستهلّ بمقدمة مختصرة، ثم عرَض لثمانية مواضع من كتاب الله وَرَدَ بشأنها موضوعات، وقد تنوّعت بين أحاديث مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم في فضائل سور القرآن، وفضل عليّ رضي الله عنه، وقصة زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش، وبعض أسباب النزول، وبعض القراءات الشاذة المنسوبة لبعض العلماء، فبيَّنَ اختلاق كل هذه المرويات وبطلانها. ثم جاءت خاتمة الكتاب.

أبرز مزايا الكتاب

تتجلى مزايا هذا الكتاب من خلال النقاط التالية:

* جمعه لعدد كبير من المواطن التفسيرية، التي ورَدَ بشأنها مرويات إسرائيلية، وتعيين هذه المواطن والمرويات في مؤلَّف مستقل.

* نقاشه لكل موطن من هذه المواطن على حِدَة.

* تفسيره لبعض هذه المواطن بتفسير غير هذا المبنيّ على المرويات الإسرائيلية.

* جمعه لكلام كثير من أهل العلم حول هذه المواطن، ولا سيما المضَعِّفين لها ولِمَا انبنى عليها من تفسير.

وبالجملة، فمن أهم مزايا الكتاب أنه كتاب تطبيقي، تخطَّى التنظير لقضية الإسرائيليات إلى التطبيق العملي على مواطنها من كتاب الله وكتب التفسير، كما قام بتفسير عدد من هذه المواطن تفسيراً بديلًا للوارد بشأنها في المرويات الإسرائيلية، ويتصل بهذا الأمر بيانه لطرق الرواية وأحوال الرواة الذين رووا التفسير المأثور، وبيان ما قاله بشأنها أرباب الحديث ونقّاد الرواية، وكلّ هذا من شأنه تيسير التعرّف على مواطن الإسرائيليات في كتب التفسير والتعرّف على أوجه النقد الموجَّه إليها روايةً ودرايةً، ما يؤكّد أهمية الكتاب في هذا الباب، بغضِّ النظر عن مدى صحة أو خطأ ما توصَّل إليه المؤلف من نتائج.

أبرز المآخذ على الكتاب

أبرز المآخذ على هذا الكتاب نجملها في الأمور التالية:

- اتساع نطاق البحث: تقدم أنّ من مزايا هذا الكتاب أنه جمع عدداً كبيراً من المواطن التي ورد بشأنها إسرائيليات، وقد كان هذا طبيعيًّا في إطار الهدف الذي انتهض المؤلف له، وهو التنبيه على الإسرائيليات في كتب التفسير وبيان بطلانها، وهذه وإن كانت مزية فهي في الوقت نفسه عيب قد أخلَّ بمعالجة هذه المواطن معالجة عميقة، فليس الأمر بهذه السهولة بحيث نحكم على هذه المرويات بمخالفتها للعقل وضعف ثبوتها ونقد بعض العلماء لها، فبعض هذه المواطن يحتاج إلى نقاشات موسَّعة أكثر من هذا الذي قام به المؤلف.

- في هذا الكتاب إشكال منهجيٌّ، وهو أنه معَنْون بالإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، ومن يطالعه من مقدّمته وحتى خاتمته لن يفهم سوى أن هذه المرويات أوردها المفسرون في كتبهم، وفسَّروا بموجبها القرآن الكريم، وإذا طالعنا بعض المواطن التي نصبها المؤلف دليلًا على هذا، فسنجد أنه كان يورد بعض التفاصيل المنكرة التي حوَتْها بعض المرويات ثم يبيِّن ضَعفها وبطلانها، متعجباً ومستنكراً إيراد المفسرين لها. وينبغي هنا أن نقرر أمراً ذا بال، وهو أن المفسرين -ولا سيما الطبري ومَن نحَى نحوه- إنما يوردون هذه المرويات ويستلُّون من مجموعها معنًى، ثم هم لا يبالون كثيراً ببعض أو بكثير من التفاصيل التي تحويها هذه المرويات، فإنها غير مقصودة لهم مطلقاً، ولكن المقصود هو المعنى الذي يستلّ من جملة النظر في هذه المرويات.

- طريقة معالجة المواطن مجافية لروح علم التفسير؛ ذلك أن بيان معاني القرآن الكريم هو صُلب عملية التفسير وأساسه، والتفسير علم مستقل له خصوصيته وله حيثياته التي تميِّزه عن غيره من العلوم، وبالتالي فيجب على مَن يتصدى لمعالجة قضاياه أن يعالجها من داخل هذا البيت، وبتأمُّل معالجة المؤلف لكثير من المواطن التي أوردها، بل للموضوع برُمَّته فسنجدها معالجة بعيدة -نوعاً ما- عن روح علم التفسير، ويتضح هذا عند النظر لأغلب أوجه النقد التي بنَى عليها المؤلف نظره للمرويات، والتي يمكن إجمالها في:

* مخالفة العقل؛ لِمَا في هذه المرويات من الغرائب والعجائب والمنكرات الظاهرة.

* مخالفة المتقرّر من عصمة الأنبياء، ومتقرّر الاعتقاد في صفات الله وملائكته.

* ضَعف ثبوت هذه المرويات، واستدعاء المقولات الحديثية حولها.

فهذه الوجوه هي ما يدور حوله المؤلف في غالب نقده، ولكن تفسير القرآن الكريم عملية معقدة ومتشابكة، ويحتفُّ بها الكثير من الأدلة والدلالات التي توجه الآيات إلى معانٍ معيَّنة، وتجعل بعض المعاني أقوى من بعض، وبالنظر لما تقدم من أنّ المفسرين يستلُّون من المرويات معاني، فإنّ هذه المعاني توضع في ميزان المفسِّر كأقوال، وعلى المفسِّر أن يُعْمِل فيها مِعْوَله بحسب مقرّرات هذا العلم: من مراعاة اللغة في جانبها، وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يختصّ به بيانه، وتفسير القرآن بالقرآن، ودلالة السياق، وأسباب النزول وأقوال الصحابة والتابعين وحُجِّيتها، وأمور أُخر ينبغي أن يدور النقاش في فلَكها، وهو ما يفتقده الناظر في هذا الكتاب.

- أطال المؤلف في القسم النظري من الكتاب، ما يمكن اعتباره استطراداً خارجاً عن الموضوع. فقد استغرق هذا القسم ما يزيد على مائة وخمسين صفحة، لا يتعلق بالإسرائيليات منها سوى صفحات قليلة، بيَّن فيها المؤلف معنى الإسرائيليات وأقسامها وبعض ما يتعلق بها، والباقي في بيان أمور تتعلق بالتفسير ومدارسه وأقسامه وغير هذا، وكان أَولى بالمؤلف إما الاقتصار على التطبيق، يَسبقه تنظير مختصر عن الإسرائيليات، وإما التوسع في التنظير قبل التطبيق، ولكن في خصوص موضوع الإسرائيليات.

- أكثر المؤلف من نقد المرويات الإسرائيلية لمخالفتها العقل، ومخالفة العقل دلالة يستدل بها العلماء في تضعيف الأقوال والآراء، ولكن التوسع في استخدامها قد يكون خاطئاً؛ ذلك أنّ المقصود في التفسير -كما تقدم- هو المعنى وليس التفاصيل التي تمتلئ بها هذه المرويات.

- في الكتاب تعميم غير موضوعي للنتائج والأحكام من خلال عبارات يُوردها المؤلف في ثنايا كلامه، فالمؤلف استلَّ المرويات الإسرائيلية من كتب التفسير، ثم كال التُّهَم لمورِدِيها من غير تفريق بين حِقبة السلف وما تلاها، أو بين المفسرين تمييزاً لبعضهم عن بعض، فالكلُّ مخطئ إذ أوْرَدَ هذه المرويات، دون دراسة لمنهج كل حقبة أو كل مفسر! كما أنه خاض في جوانب متعددة حديثية وتفسيرية وتاريخية.

- لم يبيّن المؤلف معايير اعتباره لمرويَّة من المرويات أنها إسرائيلية، وكان يكتفي في مدخل كل موطن بالقول: إنه يظنّ أن هذا عن أهل الكتاب، أو أنه من الإسرائيليات المنكَرة، ونحو هذا من العبارات، وكان الأجدر به بيان منهجه في استخلاصها والحكم عليها بأنها إسرائيلية.

هذه أهم المآخذ على هذا الكتاب، وهي لا تقلل من أهميته. وقد عالج المؤلف موضوع كتابه في ثلاثمائة وثمان وأربعين صفحة، شاملة المقدمة والفهارس.

* مادة هذا المقال مستفادة من موقع (شبكة التفسير والدراسات القرآنية)

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة