الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابتسامة.. وكأس شاي

ابتسامة.. وكأس شاي

ابتسامة.. وكأس شاي

أعظم هدية يمكن أن تقدم إلى إنسان غير مسلم هي أن تدعوه إلى دين الله بحكمة وموعظة حسنة، وتعرض عليه الإسلام عرضا جميلا متقنا، وتغلفه له بغلاف منمق مزوق بطريقة مهذبة تجعل قلبه يقبل عليه ويقبله دينا، فينجو من النار.

ونحن المسلمين مطالبون بدعوة العالم لهذا الذين، فليس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي يبلغ دينه للعالمين؛ فهو خاتم الأنبياء {مَّا كان مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رجالكم وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}(الأحزاب:40).. فأصبح تبليغ دينه للخلق واجبا كفائيا على أمته من بعده يلزمهم القيام به، وإذا لم تقم به طائفة منهم أثم الجميع.
وقد ألزمنا القرآن بذلك في قوله تعالى على لسان رسوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. ولقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران:110).. وأعظم المعروف الذي يدعى إليه هو الإيمان بالله وتوحيده سبحانه، وأعظم المنكر الذي ينهى عنه هو الشرك بالله واتخاذ آلهة تعبد من دونه.

وكون الأمة مبعوثة لهداية الناس ودلالتهم على الطريق الحق ـ وهو طريق الإسلام والإيمان ـ أمر كان مفهوما عند الأولين من هذه الأمة، وهو واضح في قول ربعي بن عامر لرستم: "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه".
فأخبره أنهم مبتعثون من قبل الله تعالى، والابتعاث هو الإرسال، وهو أن يذهب الدعاة إلى المدعوين لدعوتهم وعرض الإسلام عليهم، أو عرض ما هو مطلوب منهم في دينهم. وهذا كما قلنا واجب على الأمة ضيعته وفرطت فيه.

لكن أن يأتيك المدعو إلى بلادك وإلى بيتك ويعيش معك ليلا ونهارا سنين طويلة ثم لا يعرض عليه دين ولا يدعى لإسلام، فهذا لعمر الله هو التضييع بعينه، وهو التفريط بذاته، وهو التقصير الذي سيسألنا الله عليه يوم القيامة، وسوف يمسك كثير من هؤلاء المساكين الذين أتوا إلى بلادنا كافرين وعاشوا فيها سنين ثم عادوا كما جاءوا كافرين، سوف يمسكون بتلابيبنا يوم القيامة ويسألون الله أن يعاقبنا أشد العقوبة على تفريطنا في حقهم، وقصورنا في دعوتهم، وعدم عرض الإسلام عليهم وتوضيحه لهم وتركهم على حالهم حتى استحقوا دخول النار.

في بلادنا بلاد العرب، وبلاد الإسلام، خصوصا في بلاد الخليج، يأتي مئات الآلاف بل ربما ملايين من هؤلاء الكافرين والمشركين والملحدين وغيرهم من غير المسلمين، يأتوننا طالبين للعمل وتحصيل لقمة العيش ورغد المعيشة، وأحوالهم تدل على حاجتهم إلينا وعدم استغنائهم عنا، وهو أمر معاون ومساعد على سماعهم لنا، وعدم إساءة الرد على الأقل، فنحن نعرض دينا ونأمن أذى ولو حتى بالكلام..
والعجيب أنه قد ثبت فعليا أن بعض الجاليات تقبل على الإسلام بصورة عالية، ويدخل كثير منهم هذا الدين بمجرد أن يعرض عليهم عرضا طيبا، أو يعاملوا معاملة حسنة تجعلهم يسألون عن الدين وفي النهاية يدخلون فيه.

إن كثيرا من المسلمين في إداراتهم وفي شركاتهم وفي أعمالهم أناس كثيرون غير مسلمين، ولكن الغريب أنهم تمر عليهم سنوات دون أن يسمعوا كلمة تدعوهم لدخول الإسلام وترك ما هم عليه من الشرك والكفر وموجبات النار. وأعجب من ذلك أن يكون معك هذا الإنسان في بيتك يعمل عندك، سائقا أو طباخا أو عاملا أو حتى خادما، ويعيش معك، وربما يربي أو تربي أولادك ثم بعد سنوات طويلة يرجع إلى بلاده كافرا كما جاء.

إن سلعة الله غالية، ولو أن دعوة هؤلاء إلى الإسلام كانت تكلفنا مالا وبذلا، لكان ديننا يستحق أن ننفق عليه من أموالنا لننشره بين الخلق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل على الإسلام شيئا إلا أعطاه، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: [لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم].
غير أن بعض هؤلاء المساكين لم تكن دعوتهم تكلفنا شيئا، بل ربما كانت تكفيه كلمة طيبة، أو معاملة حسنة، أو موقف طيب يتعرف من خلاله على محاسن الدين ويكون مدخلا له إليه، فينجو به مما هو عليه، كما في قصة هذا المدرس المسلم مع فراش المدرسة، وهي قصة فقط تساق للاعتبار لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. ولنعلم قدر تفريطنا في هذا الجانب:

بسمة وكأس من الشاي
يقول أحد المدرسين:
وأنا في غرفة المدرسين صببت كأس شاي لأشربه، فضرب الجرس..
مدير المدرسة شديد جدا، يحب أن يتوجه المدرسون للصف عند قرع الجرس فورا..
والشاي حار جدا.. فرأيت فراشًا (فلبينيا) ابتسمت في وجهه وأعطيته الكأس.

في اليوم التالي جاءني الفراش وقال لي: إنه متفاجئ، فلأول مرة يرى ابتسامة مدرس في وجهه، بل ويعطيه كأسا من الشاي – كأن هناك خطأ ما -.
قلت وأنا محرج: أردت أن أكرمك ونحن مسلمون وهذا من خلقنا..
قال: بقي لي هنا عامان، لم يكلمني أحد منكم بكلمة، ولم يُعبرني بابتسامة.
ثم قال إنه يحمل شهادة الماجستير في العلوم، وأن شدة الفقر والحاجة جعلته يقبل بهذه الوظيفة.
لم أصدقه، وأردت أن أختبره، فدعوته للبيت.
كانت.. ابنتي في الصف الحادي عشر، عندها سؤال في العلوم، عرضته عليه فأجابها عليه.
ثم أطلعته على موسوعة العلوم باللغة الإنكليزية فأجاب بطلاقة ما بعدها طلاقة، تأكدت حينها من صحة كلامه.

كان يزورني بعد ذلك كل جمعة.
ثم بعد فترة أعلن إسلامه.. ثم أقنع أكثر من عشرين من أصدقائه بالإسلام.

والسبب "ابتسامة مع كأس شاي".

اللهم اغفر لنا تقصيرنا وتفريطنا، واستخدمنا ولا تستبدلنا.. يا عفو ياكريم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة