الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوَسُّل المَشْروع

التوَسُّل المَشْروع

التوَسُّل المَشْروع

التوسل هو طلب الوساطة والدعاء بكل ما يُعتقد بعلو شأنه عند الله لقضاء حاجةٍ ما، وأيضا يعني التقرب إلى الله تعالى بشيء يحبه. قال ابن منظور في "لسان العرب": "الوسيلة لغة: المَنْزِلة عِنْد المَلِك، وهي: الدَّرَجة، والقُرْبة، ووَسَّلَ فلانٌ إِلى اللَّه وسِيلة إِذا عَمِل عَمَلًا تقرَّب بِه إليه، والوَاسِل: الراغِبُ إِلى اللَّه.. والوسيلة أيضا: ما يُتَقَرَّب بِه إلى الْغَيْر.. و(تَوَسَّلَ) إليه بِوَسِيلة إذا تَقَرَّب إِلَيْه بِعَمَل". وقال الجوهري: "الوسيلة ما يُتقرب به إلى الغير". وقال القرطبي في تفسيره لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}(المائدة:35): "الوسيلة: هي القُرْبَة.. وهي فعيلة مِنْ توسَّلْتُ إليه أي: تقرَّبْت".. والتوسل أركانه ثلاثة: متوسِل وهو العبد الداعي، ومتوسَّل به هو وسيلة الدعاء، وَمُتوسَّل إليه وهو الله عز وجل، المُتوسَّل إليه في كل حال، فمِنْه سبحانه وحده تُقْضَى الحاجات، وتُجاب الدعوات.. والتوسل ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: التوسل المشروع، ويُقْصَد به ما دل القرآن الكريم والسُنة النبوية على جوازه، وهو التقرب إلى الله تعالى بما يحبه ويرضاه.. والقسم الثاني: التوسل الممنوع، وهو ما لم يدل عليه القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة..

أولا: التوسل المشروع:
التوسل المشروع ينقسم إلى أنواع:
1 ـ التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته:
مِن أنواع التوَسُّل المشروع: التَّوَسُّل إلى الله تعالى باسمٍ مِنْ أسمائِه الحُسنى، أو صِفةٍ مِنْ صفاته العُليا.. ومِنَ الأدِلَّة على مشروعيَّة هذا التوسل قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(الأعراف:180). قال السعدي: "هذا بيان لعظيم جلاله وسَعَة أوصافه، بأن له الأسماء الحسنى.. {فَادْعُوهُ بِهَا} وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيُدْعَى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلا: اللهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب عَلَيَّ يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف ونحو ذلك". وقال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد": "دُعاء الله بها لقوله تعالى: {فَادْعُوهُ بِهَا} وذلك بأن تجعلها وسيلة لك عند الدعاء، فتقول: يا ذا الجلالِ والإكرام، يا حَيُّ يا قَيُّوم، وما أشبَه ذلك.. وأن تتعبَّدَ لله بمُقتَضاها، فإذا عَلِمْتَ أنَّه رحيم، تتعَرَّض لرَحمته، وإذا عَلِمتَ أنه غفور، تتعَرَّض لمغفرتِه، وإذا عَلِمتَ أنَّه سميع، اتَّقَيتَ القَول الذي يُغضِبُه، وإذا عَلِمتَ أنَّه بصير، اجتَنبْتَ الفِعل الذي لا يرضاه".. وعن بُرَيدة بن الحُصَيب الأَسلَمِيِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول في تشهده: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَد، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فقال: لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِل بِه أَعْطى، وَإِذَا دُعِيَ به أجاب) رواه أبو داود. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الشهير بدعاء إزالة الهم والغم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما أصابَ أحدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حَزَنٌ، فقال: اللَّهُمَّ إنِّي عبدُكَ، ابنُ عبدِك، ابنُ أَمتِك، ناصيَتي بيَدِك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عَدلٌ فيَّ قَضاؤك، أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفْسَك، أو علَّمتَه أحدًا مِن خلْقِك، أو أنزَلتَه في كتابِك، أو استَأثَرتَ به في عِلمِ الغَيبِ عندَك، أنْ تجعَلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجِلاءَ حُزني، وذَهابَ هَمِّي، إلَّا أذهَبَ اللهُ هَمَّه وحُزنَه، وأبدَله مكانه فَرحًا، قال: فقيل: يا رسول الله، ألَا نتعلَّمُها؟ فقال: بلى، يَنبَغي لمَن سمِعَها أنْ يتعلَّمَها) رواه أحمد وابن حبان.. فمما لا شكّ فيه أن التوسّل بأسماء الله الحُسنى مِنْ أعظم أنواع التوسّل، ولِعِظَم هذا النوع مِنَ التوسّل كان حقيقاً على مَنْ أتى به تحقّق مراده، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (إلَّا أذهَبَ اللهُ هَمَّه وحُزنَه، وأبدَلَه مكانَه فَرحًا)، بل دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تعلّم التوسّل المذكور على نحوٍ يدلّ على أهميّته، فقال: (يَنبَغي لمَن سمِعَها أنْ يتعلَّمَها)..
2 ـ التوسل إلى الله بالعمل الصالح:
مِنْ أنواع التوَسُّل المشروع: التَّوَسُّل إلى الله تعالى بعَمَلٍ صالحٍ قام به الدَّاعي، مثل قول القائِل: اللَّهم بإيماني بك، ومحَبَّتي لك، وتعظيمي لكتابِك، واتِّباعي لرَسولِك، اغفِرْ لي.. ومنه أن يذكُرَ الدَّاعي عَمَلًا صالِحًا ذا بال، يدُلُّ على خوفِه مِنَ الله سبحانه، وإيثارِه رِضاه على كُلِّ شيء، ثمَّ يتوسَّل به إلى رَبِّه في دعائه.. وممَّا يدُل على مشروعيَّة ذلك قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(آل عمران:16). قال السعدي: "توسلوا بِمِنَة (بفضل) الله عليهم بتوفيقهم للإيمان أن يغفر لهم ذنوبهم ويقيهم شر آثارها وهو عذاب النار".. وعن عبد الله بنِ عمر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (انْطَلَق ثَلَاثَةُ رَهْطٍ (ما دون العَشَرَة مِنَ الرجال) مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوْا المَبِيت إلى غَار، فَدَخَلوه فَانْحَدَرَت صَخْرَةٌ مِنَ الجَبل، فَسَدَّتْ عليهم الغار، فقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُم مِنْ هذه الصَّخْرة إلَّا أنْ تَدْعوا اللَّهَ بصَالِحِ أعمالكم، فقال رجل منهم: اللَّهُمَّ كان لي أبَوَان شيخان كبيران، وكُنْتُ لا أغْبِق (لا أُقَدِّم عليهما أحدًا في شُرْبِ لَبنِ العَشِيِّ) قَبْلهما أهْلًا ولَا مالًا، فَنَأَى بي في طَلبِ شيءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عليهما حتَّى نَاما، فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقهما، فَوَجَدْتُهُما نائِمَيْن وكَرِهْتُ أنْ أغْبِق قبْلهما أهْلًا أوْ مالًا، فَلَبِثْتُ والقَدح (الوِعاء الَّذي يُشرَب فيه) علَى يَدَيَّ، أنْتَظِر اسْتِيقاظهما حتَّى بَرَق الفَجْر (ظَهر ضِياؤه)، فاسْتَيْقَظا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُما، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلك ابْتِغَاء وجْهِك، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْن فيه مِن هذه الصخرة، فَانْفَرَجَتْ شيئًا لا يسْتطيعون الخروج. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الآخَر: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا (أردْتُ أنْ أَزْنِيَ بها)، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِين (نَزَلَتْ بها حاجة وفَقْر)، فجاءَتْنِي، فأعْطَيْتُها عِشْرِين ومائة دينار على أنْ تُخَلِّي بَيْنِي وبيْن نفسها، فَفَعَلَتْ حتَّى إذَا قَدَرْتُ عليها (تَمكَّنتُ منها، واقترَبْت مِن جِماعِها)، قالت: لا أُحِلُّ لك أنْ تَفُضَّ الخَاتَم إلَّا بحَقِّه (ذكَّرَتْه بالله، وسَألَتْهُ ألَّا يُزِيلَ بَكارَتها إلَّا بالزَّواج الذي أحلَّه الله)، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوقوع عليها، فَانْصَرَفْتُ عنها (تَجنَّبها وابتعد عنها) وهي أحَبُّ النَّاسِ إليَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَب الذي أعْطَيْتُها، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاء وجْهِك، فَافْرُجْ عَنَّا ما نحْن فيه، فَانْفَرَجَت الصَّخرة غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتطِيعون الخُرُوج منها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الثالث: اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاء (عُمَّالًا يَعمَلون عِندي مُقابِلَ أَجْر)، فأعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَك الذي له وذهَب، فَثَمَّرْتُ أجْرَه (تاجَرْتُ له به) حتَّى كَثُرَتْ منه الأموال، فجاءني بَعْد حِين (مُدَّةٍ مِنَ الزَّمن) فقال: يا عَبْد اللَّه أدِّ إلَيَّ أجْرِي، فَقُلتُ له: كُلُّ ما تَرَى مِن أجْرِك مِنَ الإبِل والبَقرِ والغَنم والرَّقِيق، فقال: يا عَبْدَ اللَّه لا تَسْتَهْزِئُ بي، فَقُلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بكَ، فأخَذَهُ كُلَّه، فَاسْتَاقه، فَلَمْ يَتْرُك منه شيئًا، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْت ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجوا يَمْشون) رواه البخاري.
قال ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم": "أما التوسل والتوجه إلى الله وسؤاله بالأعمال الصالحة التي أمر بها، كدعاء الثلاثة الذين آووا إلى الغار بأعمالهم الصالحة، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم (في حياتهم)، فهذا مما لا نزاع فيه، بل هذا من الوسيلة التي أمر الله بها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}(المائدة:35).. فإن ابتغاء الوسيلة إليه، هو: طلب ما يُتوسَّل به، أي يتوصل ويتقرب به إليه سبحانه، سواء كان على وجه العبادة والطاعة وامتثال الأمر، أو كان على وجه السؤال له، والاستعاذة به، رغبة إليه في جلب المنافع ودفع المضار". وقال الشيخ الألبانيُّ في "التوسل أنواعه وأحكامه": "يتَّضح مِن هذا الحديث أنَّ هؤلاء الرجال المؤمنين الثلاثة حِينما اشتَدَّ بهم الكَرْب، وضاق بهم الأمر، ويَئِسوا مِنْ أن يأتيَهم الفَرَج مِن كُلِّ طَريقٍ إلَّا طريق الله تبارك وتعالى وَحْدَه، فلَجَؤوا إليه، ودَعَوه بإخلاص، واستذكروا أعمالًا لهم صالحة، كانوا تعَرَّفوا فيها إلى الله في أوقات الرَّخاء، راجين أن يتعَرَّف إليهم رَبُّهم مقابِلَها في أوقات الشِّدَّة، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه: (تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعْرِفْك في الشِّدَّة) فتوسَّلوا إليه سبحانه بتلك الأعمال"..
3 ـ التَّوَسُّل إلى اللهِ تعالى بدُعاء الصَّالِح الحي:
مِن أنواع التوَسُّل المَشروع: التوسل إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بدُعاء الصَّالحين مِن عِباده في حياتِهم الدنيا. وقد دلَّت الشريعة المطَهَّرة على جوازِ هذا النوَّع مِنَ التوسل، ومِنْ ذلك قول الله تعالى عن إخوة يوسُف عليه الصلاة والسلام: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}(يوسف:97)، فقد طلب إخوة يوسف مِن أبِيهم أنْ يَستغفِرَ لهم اللهَ على ما وقعوا فيه مِن ذُنوبٍ في حقِّ أبيهم يَعقوبَ وأخيهم يوسُف عليهما الصلاة والسلام، فقالوا: يا أبانا، اسأَلِ اللهَ أنْ يَغفِرَ لنا ذُنوبَنا التي اقتَرَفناها، فإنَّا كُنَّا مُذْنِبين مُتَعَمِّدين للإثمِ بما فَعَلْناه في حقِّكم.. وعن أنس بن مالك أنَّ عُمَر بن الخطاب رضي الله عنهما كان إذا قَحَطوا (أصيبوا بقلة المطر والجفاف) استَسقَى بالعبَّاس بن عبد المطَّلِب، فقال: (اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نتوَسَّل إليك بنَبيِّنا فتسقِينا، وإنَّا نتوَسَّل إليك بعَمِّ نَبيِّنا، فاسقِنا، قال: فيُسقَون) رواه البخاري. والتوسل هنا إنَّما كان بدُعاء العبَّاس رضي الله عنه لا بذاتِه وشخصه.. فطلب الدعاء مِنَ الصالح الحي جائز كما دلت على ذلك نصوص كثيرة، ومنها توسل الصحابة في الاستسقاء بدعاء العباس، وأمْر النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ لَقَي أوَيْس بن عَامِرٍ القَرَني أن يسأله أن يستغفر له، إلى غير ذلك من الأدلة.. ولكن ينبغي أن يُقيد هذا بعدم خوف الفتنة على الداعي أو غيره سداً لذرائع الغلو، قال الشيخ ابن عثيمين: "والتوسل بدعاء الصالحين مُقيَّد بعدم الفتنة، بأن يكون دعاؤه سبباً لفتنته هو، أو لفتنة غيره، فإن خيف مِنْ ذلك تُرِك"..

فائدة:
1 ـ أسماء الله عزَّ وجلَّ وصفاته تشترِك في الاستعاذة والتوسل بها، لكن تختلِف في التَّعبُّدِ والدُّعاء، فيُتعبَّدُ الله بأسمائِه، فنقول: عبد الكريم، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، لكن لا يُتعبَّدُ بصفاتِه، فلا نقول: عَبْد الكرَم، وعبد الرَّحمة، وعبدُ العزَّةِ، كما أنَّه يُدعَى الله بأسمائه، فنقول: يا رحيم ارحَمْنا، ويا كريم أكرِمْنا، ويا لطيف الطُفْ بنا، لكِنْ لا ندعو صفاته، فلا يجوز أن نقول: يا رحمةَ الله، أو: يا لُطفَ الله.. قال ابن تيمية: "مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث". وقال الشيخ ابن عثيمين: "(أعوذُ برِضاكَ مِن سَخَطِك، وبمعافاتِك مِن عُقوبتك) كلُّ هذا استعاذةٌ بصِفة الله، والمراد الموصوف، لأنَّ الدعاء المحظور أن تقول: يا قُدرة الله اغفِري لي، يا رحمةَ الله ارحَميني.. أمَّا إذا قُلْتَ: أعوذُ بعِزَّة الله، فهذا مِنْ باب التوسل بعِزَّة الله عَزَّ وجلَّ إلى النَّجاة مِنْ هذا المرهوبِ الذي استعَذْتَ بالعِزَّةِ منه، وكذلك: برِضَاك مِن سَخَطِك، وكذلك قَوله صلى الله عليه وسلم: (يا حيُّ يا قيُّومُ برَحْمَتِك أستغيث) ليس المعنى أنَّ الإنسانَ يستغيثُ بالرَّحمةِ مُنفَصِلةً عن الله، لكِنْ هذا مِنْ باب التوسل بصِفاتِ اللهِ عَزَّ وجل المناسِبة للمُستعاذِ منه أو للمَدْعُوّ، وليس دعاءَ صِفة".
2 ـ التوسل الممنوع: هو التقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه ولا يرضاه مِنَ الأقوال والأفعال والاعتقادات، وهو الذي لا أصل له في الدين، ولا دليل عليه مِنَ الكتاب والسُنة ولا مِنْ عمل السلف الصالح، ولم يرِدْ أو يثبت في الكتاب ولا في صحيح السنة أنه وسيلة.. ومِن ذلك: التوسل إلى الله بدعاء الموتى، وطلب كشف الكربات وقضاء الحاجات مِنَ الأموات، أياً كان ذلك الميت رجلاً صالحاً أو نبياً مُرْسَلا.. وهذا التوسل الممنوع ذمَّه الله تعالى لمَّا وصف توسل المشركين فقال حاكياً عنهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}(الزمر:3). قال السعدي: "{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي: يتولونهم بعبادتهم ودعائهم، معتذرين عن أنفسهم وقائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} أي: لترفع حوائجنا لله، وتشفع لنا عنده، وإلا فنحن نعلم أنها لا تخلق ولا ترزق، ولا تملك مِن الأمر شيئا. أي: فهؤلاء، قد تركوا ما أمر الله به مِنَ الإخلاص، وتجرأوا على أعظم المحرمات، وهو الشرك، وقاسوا الذي ليس كمثله شيء، الملِك العظيم بالملوك، وزعموا بعقولهم الفاسدة ورأيهم السقيم، أن الملوك كما أنه لا يوصل إليهم إلا بوجهاء وشفعاء، ووزراء يرفعون إليهم حوائج رعاياهم، ويستعطفونهم عليهم، ويمهدون لهم الأمر في ذلك، أن الله تعالى كذلك، وهذا القياس مِنْ أفسد الأقْيسة، وهو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق". وقال ابن تيمية: "فإن دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم وسؤالهم والاستشفاع بهم في هذه الحال هو مِنَ الدين الذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولا، ولا أنزل به كتابا، ولا فعله أحد مِنَ الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام مِنْ أئمة المسلمين"..

التوسل ينقسم إلى قسمين: الأول: التوسل المشروع، ويُقْصَد به ما دل القرآن الكريم والسُنة النبوية على جوازه، كالتوسل بأسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العليا، والتوسل بالأعمال الصالحة، والتوسل إلى الله بدعاء الصالح الحي.. والثاني: التوسل الممنوع، وهو ما لم يدل عليه الكتاب والأحاديث النبوية الصحيحة، كالتوسل إلى الله بذات وجاه مخلوق، أو التوجه إلى ميت طالبا منه أن يدعو الله له، أو يشفع له عند الله.. وإذا كان مِنْ معاني التوسّل: الإتيان بالسبب الموصل إلى المطلوب، واتخاذ الوسيلة التي توصل العبد إلى مُراده، فإن الإتيان بالتوسّل على الوجه الصحيح المشروع يقتضي أن يكون منضبطاً بضوابط الشَرْع كغيره من العبادات.. والقرآن الكريم وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم قد وضعا لنا الطريق الصحيح المشروع الذي يكون به التوسّل موافقاً للشرع، ويكون أرْجى للقبول وأدْعى للإجابة..

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة