الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دراسة فلسطينية : حزام استيطاني للسيطرة على المسجد الأقصى

دراسة فلسطينية : حزام استيطاني للسيطرة على المسجد الأقصى

دراسة فلسطينية : حزام استيطاني للسيطرة على المسجد الأقصى

حذّر مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية الفلسطيني من تصعيد نوعي في الاستيطان اليهودي بالقدس المحتلة ، يستهدف تهويد البلدة القديمة بالكامل، وتشديد قبضة الاحتلال على المدينة المقدسة، خاصةً ما يعرف بـ"الحوض المقدس"، والسفوح الشرقية، على البلدة القديمة، بدءاً من حيّ الشيخ جراح، مروراً بأحياء الصوانة، وجبل الزيتون، ورأس العامود، وانتهاء بالخاصرة الغربية لبلدة أبو ديس شرق المدينة المقدسة، حيث تعتزم سلطات الاحتلال بناء مستوطنة هناك ، تعرف باسم "كدمات تسيون" .
وفي تقرير حول هذا المخطط ، حدد مركز القدس نقاطاً استراتيجية كانت وزارة البناء والإسكان "الإسرائيلية" قد أعلنت عنها مؤخراً ، بالتعاون مع بلدية القدس الغربية ، لإقامة هذه الأحياء الاستيطانية الصغيرة . وحدد تقرير مركز القدس الأحياء الاستيطانية المقترحة على النحو التالي :

أولاً : الحي الاستيطاني في الشيخ جراح . ويشير التقرير إلى أن النواة الأساسية لهذا الحيّ أقيمت قبل ثلاثة أعوام تقريبا ً، حين سيطر مستوطنون يهود على خمسة منازل على الأقل هناك، تتاخم مقام الشيخ السعدي، الذي يطلق المتزمتون اليهود عليه اسم "قبر الصديق شمعون". وقد حول المستوطنون أحد المنازل هناك إلى كنيس يهودي . وجرى في الآونة الأخيرة تعزيز هذه النواة الاستيطانية، بإقامة نقطة حماية دائمة للمستوطنين المقيمين في الحيّ.
والمعروف أن وزير السياحة "الإسرائيلي" بني ألون أحد أشهر عرابي الاستيطان في الشيخ جراح من خلال بناء عشرات الوحدات الاستيطانية فيه، وربطه غرباً بحيّ المتزمتين اليهود المعروف بـ"حيّ ميئا شعاريم" عبر تواصل ديمغرافي واستيطاني في المنطقة الواقعة بين الشيخ جراح "وميئا شعاريم" والمعروفة بـ"كبانية أم هارون .
واستناداً لمخطط ألون ، فإن الحيّ الاستيطاني في الشيخ جراح سيكون واحداً من سبعة عشر حياً استيطانياً صغيراً تتاخم البلدة القديمة، وتشكل ما يشبه طوقاً من الاستيطان يحكم القبضة الإسرائيلية على القدس القديمة.

ثانياً: الحي الاستيطاني في واد الجوز :
فوفقاً لتقرير مركز القدس ، فإن هذا الحيّ يعد نقطة هامة واستراتيجية في مخطط الطوق الاستيطاني المتاخم للقدس القديمة، حيث سيربط بين الحيّ الاستيطاني المقترح في الشيخ جراح، وبؤرة الاستيطان الرئيسية على جبل الزيتون، المعروفة بـ"بيت أوروت". ويمتد هذا الحي على عشرات الدونمات بدءاً من شارع الجامعة العبرية، وانتهاء "ببيت أوروت". ويشمل في مراحله المختلفة بناء نحو 70 وحدة استيطانية . وقد وضع هذا المشروع أحد أبرز مهندسي بلدية القدس الغربية ويدعى "إيلان أفرات" في مستهل التسعينيات من القرن الماضي، وجمد العمل به من قبل وزير البناء والإسكان في حينه بنيامين بن اليعازر.
ومن شأن إقامة هذا الحيّ تعزيز التواجد الاستيطاني الديمغرافي في المنطقة ، خاصةً أن العمل جارٍ لربطه بحيّ استيطاني آخر ، سيقام على سفوح جبل الزيتون ، يتاخم ما يعرف بـ"المقبرة اليهودية" ، التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن مستوطنة موسكوفيتش الجاري بناؤها في راس العامود.

ثالثاً: الحي الاستيطاني في رأس العامود :
استناداً لتقرير مركز القدس ، فقد بدأ العمل ببناء هذا الحيّ قبل حوالي ثلاثة أعوام ، وقد تم بالفعل إنجاز بناء عشرات الوحدات الاستيطانية ، من أصل 132 وحدة استيطانية ، ستقام هناك ، وقد جرى تصميمها على شكل قلاع وحصون.
ولا يبعد هذا الحيّ عن القدس القديمة سوى 150 متراً هوائياً ، ويطل مباشرةً على الحرم القدسي الشريف . أما نواته الرئيسية فتتمثل حالياً في ثلاثة منازل، كانت استولت عليها جماعات استيطانية متطرفة، تتخذ منها بعض العائلات اليهودية مساكن لها، يتم الإقامة فيها بالتناوب.
ويخطط القائمون على بناء هذا الحيّ ، وعلى رأسهم المليونير الأميركي اليهودي ايرمينغ موسكوفيتش ، للسيطرة على أراضٍ ومبانٍ تتاخم الحيّ الاستيطاني الجديد، بما في ذلك نادٍ للشبيبة الفلسطينية يقع هناك.

رابعاً: الحي الاستيطاني في سلوان :
تعد المنطقة الواقعة جنوب أسوار البلدة القديمة ، والمعروفة بـ"حيّ سلوان" من أكثر المناطق استهدافاً، نظراً لأهميتها التاريخية المزعومة لجماعات التطرف الاستيطاني . وخلال السنوات الماضية تمكنت هذه الجمعيات الاستيطانية من السيطرة على نحو عشرين منزلاً في مناطق متفرقة من سلوان ، مثل "عين اللوزة" ، و"عين حلوة" ، وحولتها إلى بؤر استيطانية ، محاطة بحماية أمنية مشددة.
كما تسيطر هذه الجماعات على مساحة مهمة من الحيّ . وكانت قد شرعت خلال السنوات القليلة الماضية في تهيئة المنطقة لإعادة بناء ما تطلق عليه "مدينة داود"، وهي التسمية العبرانية لحيّ سلوان . وتعد هذه المنطقة قلب ما يعرف بـ"الحوض المقدس"، وهي تسمية أطلقها المفاوضون "الإسرائيليون" في مفاوضات كامب ديفيد الأخيرة قبل ثلاث سنوات ، وأصروا في حينه على احتفاظهم بالسيطرة عليها.
وكانت عدة مخططات استيطانية أعلنت في السابق لربط سلوان بالقدس القديمة ، خاصةً منطقة حائط البراق، منها شق نفق أسفل سور القدس ، يفضي إلى ساحة "البراق" ، و"الحي اليهودي" المقام على أنقاض حارة الشرف ، بغرض توفير الأمن والحماية للمستوطنين ، خلال تجوالهم وتنقلهم بين سلوان والقدس القديمة .

خامساً: الحي الاستيطاني في جبل المكبر "منظر من ذهب" :
إلى الجنوب من الحيّ الاستيطاني في سلوان صادقت بلدية القدس الغربية خلال الأعوام الثلاثة الماضية على سلسلة مخططات لتعزيز التواجد الاستيطاني في الحد الجنوبي للبلدة القديمة ، على السفوح الغربية لجبل المكبر ، كان آخرها المصادقة على بناء حيّ أطلق عليه اسم "نوف زهاف" أي "منظر من ذهب" . ويطل هذا الحيّ المقترح مباشرةً على البلدة القديمة من ناحيتها الجنوبية، وهو يتصل على نحوٍ مباشر بحيّ سلوان الاستيطاني، وبؤر الاستيطان المنتشرة فيها.
كما صودق على مخططاتٍ أخرى في ذات المنطقة من بينها بناء فنادق ، ومطعم متحرك ، وإقامة منطقة سياحية ، بتمويل من مستثمرين أجانب و"إسرائيليين" ، إضافةً إلى بناء عشرات الوحدات الاستيطانية لأغراض السكن.

سادساً: الحي الاستيطاني في أبو ديس :
يقع هذا الحيّ المقترح على الخاصرة الغربية لبلدة أبو ديس ، ويطل مباشرة على حيّ سلوان وجبل المكبر . ويطلق على هذا الحيّ اسم "كدمات تسيون" أي :"مقدمة صهيون" . ويريد "الإسرائيليون" من إقامته منع أي تواصل ديمغرافي فلسطيني بين البلدة القديمة ، وبلدتي أبو ديس والعيزرية ، والحيلولة مستقبلاً دون وجود أي سلطة فلسطينية في تلك المنطقة.
وتدعى الجمعيات الاستيطانية اليهودية ملكيتها لعشرات الدونمات في تلك المنطقة ، وقد حظي مخطط إقامة هذا الحيّ الاستيطاني بدعم بلدية القدس الغربية ، ورئيسها الحالي إيهود أولمرت . ومن شأن إقامة هذا الحيّ فرض وقائع جديدة في تلك المنطقة ديمغرافية وسياسية . فإقامة هذا الحيّ سيؤدي إلى خلق تواصل مع الأحياء الاستيطانية في رأس العامود وجبل المكبر ، عدا عن كونه سيشكل جسراً يربط مستعمرة "معاليه أدوميم" بمركز البلدة القديمة، وبالتالي إحكام الطوق الديمغرافي الاستيطاني على المدينة المقدسة، وفرض واقع يستحيل معه التوصل إلى أي اتفاق سياسي بشأن مستقبل القدس، فيما لو استؤنفت المفاوضات مستقبلاً.

سابعاً: أحياء استيطانية صغيرة داخل البلدة القديمة :
يرى التقرير الصادر عن مركز القدس وجود صلة بين حزام المستوطنات الصغيرة حول أسوار البلدة القديمة ، وتكثيف النشاط الاستيطاني داخل الأسوار . وهي صلة تذهب إلى محاولات جماعات التطرف اليهودية للسيطرة على الحرم القدسي الشريف ، وإحكام الطوق الاستيطاني عليه .
ويشير المركز إلى أن منطقة باب الساهرة كانت حتى عهد قريب خلواً من البؤر الاستيطانية ، باستثناء واحدة عند مدخل السور، وثلاث بؤر أخرى قريبة من "حارة السعدية" . وقد تمكن المستوطنون قبل نحو ثلاثة أعوام من السيطرة على ما مساحته دونمين من قطعة أرض تجاور برج اللقلق، وتتاخم منطقة الحرم القدسي الشريف، من الناحية الشمالية.
ومهدت سلطات الاحتلال لإقامة هذا الحيّ بأعمال حفر أثرية ، قامت بها في تلك المنطقة ، تزامنت مع الإعلان عن مخطط لبناء كلية جامعية تلمودية ، تستوعب نحو 400 طالب ، ثم استبدل هذا المخطط على ما يبدو مؤخراً ، لبناء عشرات الوحدات السكنية المقرر أن تستوعب أكثر من خمسين عائلة يهودية .
وتدعي الجمعيات الاستيطانية أن قطعة الأرض المنوي إقامة الحيّ الاستيطاني عليها اشترتها من الكنيسة الروسية ، والتي كانت مملوكة لها في السابق . ومن شأن إقامة هذا الحيّ ، مضاعفة الوجود الديمغرافي الاستيطاني داخل أسوار البلدة ، حيث توجد نحو 60 بؤرة استيطانية يقطنها نحو ألف مستوطن ، إضافة إلى ثلاثة آلاف مستوطن آخر يقطنون داخل ما يعرف بـ"الحيّ اليهودي " .
ويهدف القائمون على هذا المخطط إلى زعزعة الميزان الديمغرافي القائم في القدس القديمة ، حيث تقدر أعداد المقدسيين هناك بنحو ثلاثين ألف مواطن. عدا ذلك فإن إقامة هذا الحيّ يهدف إلى تسهيل مهمة جماعات التطرف للسيطرة على الحرم القدسي الشريف، عبر التحكم بالمسارات المؤدية إليه ، علماً أن هذه الجماعات تملك سيطرة شبه مطلقة في الناحيتين الجنوبية والغربية ، من خلال بؤر الاستيطان الستين المنتشرة في هاتين المنطقتين .

البنية التحتية للمستوطنات الجديدة
يشير تقرير مركز القدس إلى أن السلطات "الإسرائيلية" ، وقبل الشروع في إنشاء الأحياء الاستيطانية الجديدة المقترحة ، شرعت في إقامة بنية تحتية متطورة وحديثة ، بعضها يندرج في إطار مخطط رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الحالي آرائيل شارون المعروف بـ"البوابات الـ26 حول القدس" .
ويعد النفق أسفل جبل الزيتون ، الذي افتتح مؤخراً ، أهم ما نفذ من بنى تحتية ستخدم بصورة كبيرة مشاريع الاستيطان المقترحة في وادي الجوز ، والشيخ جراح ، وباب الساهرة .
وفي هذه الأحياء الثلاثة تحديداً بدأت بلدية القدس الغربية تنفيذ سلسلة من مشاريع البنى التحتية من مياهٍ ومجار ، تبدو للوهلة الأولى لخدمة مواطني تلك الأحياء العربية ، لكنها في القدس تمهد لإقامة هذه البؤر الاستيطانية الجديدة ، التي يتطلب إنشاؤها شبكة مياه ومجاري متطورة ، ترتبط بصورة مباشرة بالشبكة الرئيسية في القدس الغربية.
ويلحظ التقرير الشيء ذاته في سلوان وجبل المكبر ، حيث تنفذ البلدية مشروعات مماثلة ، الهدف منها ربط الأحياء الفلسطينية ، من حيث شبكة الخدمات العامة بمثيلتها "الإسرائيلية" ، والتركيز بصورة رئيسية على المواقع المنوي إقامة الأحياء الاستيطانية الجديدة عليها .
ويخلص تقرير مركز القدس إلى نتيجة مفادها أن طوق الاستيطان المنوي بناؤه حول القدس القديمة يعد الأكثر أهمية وخطورة من بين أطواق الاستيطان المقامة حول القدس ، سواء في حدودها البلدية المصطنعة ، أو حدودها الموسعة التي تعادل ما نسبته 15 % من مساحة الضفة الغربية ، وهو ما يعني أن إكمال الغلاف حول القدس الموسعة، يتطلب بالضرورة إحكام القبضة على النواة ، ممثلاً بالبلدة القديمة ، وتخومها المطلة عليها ، توطئة لمرحلة أخرى أكثر خطورة ، تتعلق هذه المرة بالسيطرة على مركز النواة ، وهو الحرم القدسي الشريف.
فهل يبقى بعد تنفيذ هذه المخططات ما نتفاوض عليه؟

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة