الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انتفاضة الأقصى..في عامها الرابع

انتفاضة الأقصى..في عامها الرابع

انتفاضة الأقصى..في عامها الرابع
تدخل الانتفاضة المباركة عامها الرابع وشعب فلسطين مازال رافعاً رأسه رغم كل صنوف القتل والتنكيل التي يمنى بها كل يوم على مرأى من العالم أجمع..

وكأن الأمر لا يعني أحداً.. أن يباد شعب بأكمله وتنتزع منه الأرض والكرامة بل حق الحياة.. في مشهد أقل ما يقال عنه: إنه تراجع لكل القيم والأخلاق والمواثيق البشرية.. تراجع إلى الدرك الأسفل من الانحطاط واللامسئولية من المجتمع الدولي.. في خضوع لم يسبق له مثيل على مر التاريخ لرغبات زمرة من المجرمين وعصابة من الإرهابيين ...

ولنحص معاً حصيلة خمسة وثلاثين شهراً من الأعمال الإجرامية مارستها آلة الحرب الصهيونية المدعومة بأحدث الوسائل التكنولوجية الأمريكية لإبادة الشعوب:

* بلغ عدد القتلى من الأطفال - 500 طفل والعدد يزداد في كل يوم.
* إجمالي الشهداء حتى الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي: 2700 شهيد، منهم 180 من الإناث.
* إن عدد القتلى من جراء القصف بالطائرات الأمريكية المتطورة 732 شهيداً وعدد الغارات الجوية التي استهدفت الشعب الفلسطيني الأعزل منذ أكتوبر عام 2000م= 20588 غارة جوية.
* بلغ عدد الاغتيالات والاستهداف المتعمد للمدنيين والرموز: 185 مستهدفاً و76 من غير المستهدفين.
* قتل من طلبة المدارس والجامعات 553 شهيداً من الطلاب، و220 ناشطاً من الحركة الرياضية الفلسطينية. كما قتل 9 شهداء من الصحفيين.
* تم اعتقال 7389 من النساء والرجال والأطفال منهم 942 من طلبة المدارس والجامعات، ناهيك عن ظروف الاعتقال المزرية والتعذيب بشتى أنواعه وأكثرها وحشية وابتكاراً في الإذلال والإهانة لإنسانية المعتقلين.
* إضافة إلى عدد هائل من الجرحى يبلغ 36743 جريحاً منهم 4140 من طلبة المدارس.
* إضافة إلى تدمير المنازل فقد تم تدمير 53656 منزلاً تدميراً كلياً أو جزئياً، إضافة إلى تحويل 43 مدرسة إلى ثكنة عسكرية لقوات الاحتلال.

ورغم قتل الحرث والنسل والقضاء على جميع مظاهر التنمية الصناعية والزراعية والحيوانية لدى الشعب الصامد، ورغم السور الأمني الفاصل الذي جاء على حساب أراضي أهل فلسطين، ورغم تخاذل الجميع عن نصرتهم استطاعوا أن يحققوا ما يسمى بتوازن الرعب أو القوة بتطوير عمليات المقاومة وابتكار وسائل تكنولوجية بدائية ولكن فعالة، في نقلة نوعية استراتيجية في أداء وتكتيكات المقاومة فرضت نفسها على الساحتين العسكرية والإعلامية، فرغم البساطة التي تميز هذا التكتيك، فإن للأمر صدى كبيراً لا يخفيه العدو في تصريحاته، فنحن الآن نتحدث عن إطلاق صاروخ "البنا"، وصاروخ "القدس-1" وتأتي بين الحين والآخر قذائف الهاون و(الآر. بي. جي) لتصدم العدو وتصيبه بالذهول.

ورغم بدائية الصواريخ التي يصنعها أبطال الانتفاضة منزلياً، فإن أثرها على العدو واضح وجلي، فصاروخ مثل القسام-2 تصفه الـ التايمز البريطانية بأنه: الصاروخ البدائي الذي قد يغير الشرق الأوسط. وتصفه الـ السي. ان . ان الأمريكية بأنه الورقة الشرسة في الشرق الأوسط. وتقول مراسلة الـ السي. ان . ان: إن الأمر "غير واضح" كيف يمكن لهذه الصواريخ البدائية أن تؤثر في التوازن العسكري الإسرائيلي الفلسطيني، وتجعل هذه القوة العالية تقف عاجزة بلا حيلة. أما الـ (البي. بي. سي) فتقول: إنه نقلة استراتيجية تنخر في القوة العسكرية الإسرائيلية الفائقة. أما بن أليعازر وزير الدفاع الإسرائيلي فيقول: إنه مستوى جديد من التهديد، وصاروخ القسام هو صاروخ مدفعي بدائي مُصنع يدوياً في البيوت الفلسطينية وتؤكد حماس على صفحات موقعها على الإنترنت أن مداه من 8 إلى 12 كم. وهو عبارة عن (قذيفة طولها 6 أقدام، 180 سم تقريباً)، مصنعة من مزيج من السكر، الزيت، الكحول، الأسمدة العضوية، وهو الخطوة الأكثر خطورة من القسام -1 الذي كان يتمتع بمدى أقصر، وكان يسهل اتباعه، ويستخدم من 4 إلى 6 كجم متفجرات لإطلاقه، ويتم ضبطه من بُعد، وهو ما يحمي المقاتلين من رد فعل إسرائيلي على موقع الانطلاق. يستطيع صاروخ القسام- 2 أن يصل إلى قلب المستوطنات في ثوان، ويعده البعض أخطر من صواريخ سكود العراقية حيث لا ترصده الأقمار الصناعية، ولم تستطع قوات الاحتلال أن تقـوم بأكثـر من تركيب صفارات للإنذار المبكر على طول الخط الأخضر في قطاع غزة.

ولم يكتف المقاومون باستخدام تلك الصواريخ ضد العدو الغاشم بل صعدوا القتال بمحاولة تدمير أسطورة آلة الحرب الإسرائيلية الحصن المصفح (دبابة الميركافا)، ففي غزة المرابطة تحطمت أول دبابة من نوع (ميركافا 3) على أيدي المقاومة الإسلامية حيث دمرت الدبابة بالكامل وقتل طاقمها المكون من ثلاثة جنود.. وكثرت التفاسير العسكرية والسيناريوهات لكيفية حدوث هذا رغم كل ما يحصن تلك الدبابة من وسائل حماية، ورغم فداحة كارثة تدمير (الميركافا) على الجانب الإسرائيلي فإن الكارثة النفسية تعد أعمق وأكبر أثراً من الكارثة العسكرية كما تقول ألـ (البي. بي. سي) التي وصفت العملية بأنها انفجار شديد في "رمز العسكرية الإسرائيلية".

أما عن قذائف الهاون التي تُلقى على المستوطنات بين الحين والآخر فحدّث ولا حرج، فقد سقطت على "إسرائيل" مئات من قذائف الهاون منذ بداية الانتفاضة، ويحاول العدو البحث بجدية عن أماكن هذه القذائف ويدعي كل فترة وأخرى بأنه وجد مكاناً جديداً لتصنيعها، وقذيفة الهاون هي أقرب ما تكون لقنبلة ثقيلة وهي عبارة عن عبوة عالية الانفجار مصممة للوصول إلى أماكن يصعب الوصول إليها من قبل القوات الأرضية.

أما (الآر. بي. جي) الذي أطلق منذ فترة فهو صاروخ موجه بموجات الراديو.. يستطيع الانطلاق بزاوية منحدرة (من 30 إلى 40 درجة) ويتم التحكم بنظام الراديو في اتجاه الطيران وانحداره وعملية الدفع.. وهكذا ستستمر الانتفاضة معلنة كل يوم تطوراً جديداً في صفوفها.. هذه الانتفاضة المباركة التي حظيت بأسماء عديدة يطلقها العدو بنفسه.. فهي المسماة بـ "مصيدة الموت" و"رقصة الموت" و"حرب الاستنزاف"، بل وصل الأمر إلى أن يستشهد من 2 إلى 3 من الفلسطينيين مقابل كل قتيل إسرائيلي، وبعملية حسابية بسيطة لعامل القوة العسكرية نجد أن التفوق الفلسطيني كان أقوى.

لم يكن شارون ليعلم حين قرر أن يدنس ساحة المسجد الأقصى أن مصايد الموت قد نصبت له بأشكال متنوعة تزداد كل يوم روعة في أدائها.. ورغم الحصار.. ورغم المآسي التي تدمي القلب.. ورغم المحن القاسية يخرج بصيص من نور وأمل يربت على القلوب الحزينة، ويعلن لكل ذي لب أن المحنة تزيدنا ثقة بأن النصر لفتيان الانتفاضة..فتيان الحجارة.. الكبار.. بإذن من الله تعالى، مستيقنين أن العاقبة للمتقين مصداقاً لقول المولى عز وجل (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). إنها مناسبة عظيمة بقدر ما تبعث الحزن على واقع الأمة المتضعضع.. بقدر ما تبعث الأمل في الأجيال التي لم تزدها المحن إلا ثباتاً ورسوخاً، وقديماً قالوا: "إن الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك".
فاللهم انصر الجاهدين وحرر ديار المسلمين من رجس الكافرين.

* عضو مجلس إدارة جمعية مناصرة فلسطين
صحيفة أخبار الخليج البحرينية 4/10/2003

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

قراءات وتحليلات

أساليب التعذيب النفسي في السجون الإسرائيلية

إنّ تعذيب النفوس يمكن أن يكون أكثر قسوة من تعذيب الأجساد، فلقد ابتكر أساتذةُ التعذيب الإسرائيليون الكثيرَمن الوسائل...المزيد