الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكنكم توجيهي لكيفية الحصول على وظيفة لأحقق آمالي؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب في 27 من عمري؛ ملتزم والحمد لله؛ متحصل على شهادة ماستر في الهندسة البايو-طبية 2016، غير أنه ومنذ تخرجي لم أحصل على وظيفة تمكنني من الزواج وإعالة والدي البسيطين، اللذين طالما عقدا علي جل آمالهما، وأريد إكرامهما بحجة أو عمرة، إن شاء الله ووفقنا لما يحب ويرضاه.

وعليه ارتأيت مراسلتكم بالرغم من علمي أنه خارج إطار اختصاصاتكم، وأملي فيكم كبير بعد -المولى عز وجل- أن ترشدوني لما من شأنه أن يفرج كربي ويعينني على الحلال، فرج الله كربكم في الدنيا والآخرة.

أنوه أن ردكم الذي أنتظره قد يساهم في تغيير حياة شخص آخر، والله ولي التوفيق.

أخيرًا، تقبلوا مني عبارات التقدير، والحمد لله رب العالمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سفيان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا وسهلًا بك -أخي الكريم- في موقعنا، ونسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يبلغك ما تتمناه. والجواب على ما ذكرت:

بداية: نحمد الله تعالى الذي جعلك من عباده الصالحين، ووفقك إلى أن تسلك طريق طلب المال الحلال، وكما وفقك إلى النية الصالحة في الزواج، وبر الوالدين، كل هذا الخير الذي وهبك الله إياه علامات على أن حالك في المستقبل سيكون إلى خير إن شاء الله، فأبشر بخير.

ثم اعلم أن الرزق يتحصل بتحقيق أسبابه الكونية والشرعية، ومن تلك الأسباب:

- التوكل على الله، وحقيقته: صدق اعتماد القلب على -الله عز وجل- في جلب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، وأن يكل العبد أموره كلها إلى الله، وأن يحقق إيمانه بأنه لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع إلا هو -سبحانه وتعالى-.

ومما جاء في أثر التوكل على الله في تحقيق الرزق: ما رواه الترمذي في سننه، والإمام أحمد في مسنده من حديث عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُوْنَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا).

قال الحافظ ابن رجب: هذا الحديث أصل في التوكل وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق، -قال سبحانه-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.

- الاستمرار في البحث عن العمل بكل الطرق المشروعة، وأنت مدرك لهذا بارك الله فيك، روى أبو نعيم في -حلية الأولياء- من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ رُوْحَ القُدُسِ نَفَثَ فِيْ رُوْعِي: أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوْتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوْا فِيْ الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ).

ومن أسباب الرزق: صلة الرحم كالوالدين والإحسان إليهما وسائر الأقارب، ولو بالنية الصالحة إن لم تجد ما تعينهم به، وأبشر بخير فقد جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).

- ومن تلك الأسباب: السفر إلى بلد آخر لطلب الرزق، فإن رزقه سبحانه لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار.

- ومن أسباب الرزق كثرة ذكر الله، وكثرة الاستغفار، فقد أوصى نبي الله هود قومه ما حكى الله عنه -قال تعالى-: "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ"، وهكذا قال نوح -عليه السلام- لقومه: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا".

- ومن أسباب الرزق كثرة التضرع والدعاء إلى -الله سبحانه- وخاصة في ساعات الاستجابة في قيام الليل، وما بين الأذان والإقامة، ونحو ذلك.

إذا أخذت بما ذكرت لك من الأسباب، وكنت صابرًا محتسبًا، ولديك تفاؤل بفرج الله عليك، فأبشر بخير، ولا بأس أن تعمل بأي عمل ولو كان في غير تخصصك حتى تجد عملًا مناسبًا.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً