الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نفحات مضيئة لحياة زوجية سعيدة

السؤال

مشكلتي تتعلق بوضع قواعد للتواصل بيني وبين زوجتي، وتحديد مفاهيم الحياة المشتركة، التي نعيشها، والتي ننتظر أن تؤثر في تكوين وتربية الأولاد. وسوف أتطرق لنقاط الاختلاف التي تنغص علينا حياتنا المشتركة، وهي كما يلي :
1- التواصل، وأسلوب التواصل، كشرطين أساسيين في نظري، لإنجاح الحياة المشتركة، يحملان معاني مختلفة لدى كل منا، فعندما أعاتبها مثلا على أمر ما، تحققت من وقوعه، أو من تصرف ما، تأكدت من حدوثه من طرفها، فإنها تنفي بالإطلاق ما تحققت من وقوعه أو تأكدت من حدوثه، وبصوت مرتفع يصم آذاني، ثم تنكر رفع صوتها، وبذلك تقطع زوجتي حبل التواصل، والتفاهم، وتجعلني أبدو وكأنني أحمق، يتصرف بشكل غير لائق، وهدا يثير ثائرتي، ويتمكن مني الغضب حتى المرض الشديد، والعذاب النفسي الأليم، وكل مرة أصل هذا الحد من الشعور السيئ، أصفها بالفاشلة، وبمحدودة الأفق، وبأنها لا تصلح لإنشاء أسرة ناجحة...وغير ذلك، فتمرض بدورها، ونبقى هكذا ندور في حلقة مفرغة.
2- تعودت زوجتي، على وضع أي شيء في أي مكان ، بينما تعودت أنا على وضع كل شيء في مكانه، المخصص له، وعندما نبحث عن شيء، فإننا نبحث عنه في جميع أركان البيت، وهذا الأمر يؤذي طبيعتي وترتيبي ونظامي، وهي تكرر هذا الأمر، وأنا أغضب منها بسببه باستمرار حتى المرض، ووعدتني مرارا بعدم تكراره، دون جدوى، ونحن نعيش السنة الثانية عشر تقريبا من الزواج، وجوابها دائما " إنني أصارع وأعارك هذه الطباع" ونبقى هكذا.
3- النسيان، فزوجتي تنسى الكثير من الأمور التي أعتمد عليها فيها، وبالنسبة إلي، فإن درجة النسيان عندها، يجعله يرقى إلى درجة الإهمال وعدم الاهتمام، ويحتاج إلى مجهود منها لترويض ذاكرتها بطرق مختلفة متوفرة، ومن ضمنها التعود على الترتيب والنظام. أما بالنسبة إليها، فإن الأمر قضاء وقدر، ملازم لجميع النساء، بثبوثه في القرآن والسنة النبوية الشريفة، ولا جدال في ذلك، والمصيبة، أن هدا النسيان بدأ يتسرب إلي وإلى الأولاد بحكم الحياة المشتركة، ما يغيظني ويوترني أكثر، وحينها تذكرني، بكل كلمة قدح قلتها في حقها وأنا غاضب، دون أن تنسى أيا منها، وأكون أنا قد نسيت كل ذلك.
4- ابنتاي منها، يعشن في هذا الخضم، وهما يتأثران بهذه الفوضى التي تنتقل إليهما بحكم الحياة المشتركة. وقد لاحظت أن البنت الكبيرة، 12 سنة، تعودت منذ الصبا على فوضى أمها، وعندما أوبخها على ذلك، تجيبني بجواب أمها قائلة : " إنني أعارك وأصارع هذه الطباع" والأمر يتكرر دون جدوى. أما البنت الصغيرة، 9 سنوات، فإنها كانت أول الأمر تهتم بالترتيب والتنظيم، في كل شؤونها، ثم تحولت إلى الفوضى التي عليها والدتها، وأختها الكبرى.
والغريب، أن زوجتي بدأت تشتكي من عدم طاعة البنتين لها، ثم أخبرتني بأنهما يخرجان عن سيطرتها شيئا فشيئا ، وشعرت بدوري بنفس الأمر، وأنا أحمل المسؤولية لزوجتي التي تتعاطى معي بغير توافق ولا تطيعني، وحتى لا تسمعني جيدا، وكل ذلك ينتقل إلى البنتين عبر الحياة المشتركة طبعا، ويؤثر في تربيتهما، حسب المثل القائل:" الإنسان ابن بيئته " واعتبارا لقول الشاعر " الأم مدرسة..." والحياة طباع وتطبع، فكل يختار ما يحب أن يتطبع به.
وختاما، أضع بين أيديكم، هدا الوضع لتحليله، وتوجيه النصح لنا، وصدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة.....إلخ"
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أيها الأخ الكريم أن الحياة الزوجية مبناها على الألفة والمحبة والمودة، قال تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا {الروم: 21} ولم يقل: لتسكنوا معها، لأن الحياة الزوجية ليست مجرد قضاء شهوة بل هي تزاوج عقلين وروحين، وذلك لا يمكن أن يتأتى بسهولة، فأنت تعلم أنك قد نشأت في بيئة لها عادات معينة وجبلت على طباع مختلفة ونمط في الحياة مغاير، وهي كذلك، فمن الصعب أن يحدث الانسجام التام والتوافق الكامل في كل شيء، فلا بد من الصبر والتغاضي عما يمكن التغاضي عنه من الهفوات والزلات والنظر في الجوانب المضيئة والمحاسن وعدم ترصد الأخطاء، وذكرها بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر. رواه مسلم، ومعنى لا يفرك: أي لا يبغض ويكره.

كما ننصحك بالترفع عن الندية معها وبعدم مجازاتها على أخطائها، فقد أوتيت عليها درجة وقوامة وفضلا، فقدر لها ضعفها وأنوثتها، وتمتع بمحاسنها وتجاوز عن مساوئها، واعلم أن هذا حال كل النساء مع أزواجهن، فلا تسلم الحياة الزوجية من بعض المنغصات التي تسببها الزوجة لزوجها، ففي الحديث: إن المرأة خلقت من ضلع، ولن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

وكثير مما ذكرت يمكن علاجه بمداومة التعليم والصبر وعدم اليأس، لكن لا بد من الرفق والحكمة في ذلك، قال تعالى لنبيه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ {آل عمران: 159} ويدرك بالرفق ما لا يدرك بالشدة والعنف، وفي الحديث: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه. متفق عليه.

وأما هي فإننا نوصيها أن تتقي الله تعالى في زوجها، وتعاشره بالمعروف، وتعلم أن رفع الصوت عليه بالسب ونحوه من الظلم والنشوز المحرم شرعا، وأنها أسوة وقدوة في بيتها لأبنائها، فعليها أن تكون قدوة حسنة في دينها وخلقها وأدبها، وأن طباعها وعاداتها يمكنها تغييرها بالصبر والمجاهدة. قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت:69} وقال صلى الله عليه وسلم: ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله. متفق عليه. فالطباع تكتسب لكن بصبر ومجاهدة.

وللمزيد نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2589، 5291، 5381، 8779، 9226، 9560، 15906، 8038، 58964.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني